تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الجمعة، أغسطس 31، 2012

ســـــيناء‏..‏الجنوب منفــــــذ الحدود‏..‏ والطريــــــق إلي نجمـــــة داوود


ســـــيناء‏..‏الجنوب
منفــــــذ الحدود‏..‏ والطريــــــق إلي نجمـــــة داوود

الحلقة الأولى
ملف اعدته‏
‏ امل سرور

نبدأ من حيث انتهي الآخرون‏..‏ من عند العيون التي تتكلم وحدها‏,‏ من عند بيوت الشعر والركية والمرمرية والسمسمية ننطلق من هناك‏..‏من اللحيوات والجبالية والقرارشة ومزينة من عند الحويطات والتياهة والطرابين من وسط أولاد سعيد والصوالحة والعليقات

البداية من هنا‏..‏ من أم الرشراش‏,‏ تلك الأرض المصرية الخالصة التي اغتصبها عنوة وكذيا ورياء ونفاقا الكيان الصهيوني منذ عام‏1949‏ علي يد رئيس العصابة اسحاق رابين‏.‏ نبدأ من عند صلاح الدين الذي بني قلعته الحصينة لكي يحتمي ويحمي بها أرض المحروسة البداية هنا من عند ذاك المنفذ البري الواقف بشموخ وكأنه شاهد عيان علي اغتصاب وسرقة ارضنا العربية المحتلة التي وقعت فريسة في يد الصهيانة
شاهد عيان علي رفرفة نجمة داوود اليهودية في سماء فلسطين الحرة التي لقبتها المزاعم والافتراءات مؤقتا بـ إسرائيل‏.‏ السطر الأول في ملفنا‏..‏ نكتبه من عند نقطة رأس البرقة التي شهدت كرامة وشموخ الجندي المصري الذي سيظل راسخا في الاذهان طال الدهر أم قصر سليمان خاطر إنها سيناء‏.‏ حائرة‏..‏ واظن انها الحيرة التي تنتاب كل من يفكر في الترحال اليها أو الكتابة عنها تائهة وسط ما سمعته اذناي وما رصدته عيناي من آلام وآهات وربما صرخات واستغاثات تدوي في عالم النسيان والتجاهل‏,‏ وكأنها النداهة يأتيني صوتها من بعيد فأجد نفسي مسيرة لا مخيرة تجاه تلك البقعة الاصيلة من ارض مصر الطريق إليها طويل وشاق‏..‏ ولكن تلك المشاهد التي تراها عيناك هي السبب ـ وحدها ـ في ألا تغلق عينيك استمتاعا‏,‏ درجات اللون البني تعانق درجات الاصفر والاحمر علي صفحات الجبال‏..‏ تلطمك سفوح وتستقبلك تلال‏..‏ تعانق مقلتيك اشجار صارعت الصخور‏..‏ ويمزق المشهد جبل عجوز وكأنه يلكز ما حوله من جبال كي ينفرد بعينيك‏.‏
وتستمر المشاهد إلي ان تعبر سيارتنا نفق الشهيد أحمد حمدي‏,‏ فتختلف الرائحة ويتبدل الاحساس‏..‏ليس فقط لاننا ابتعدنا عن القاهرة ودوشتها وتلوثها انما بالتأكيد هناك سر حير الكثير في فك شفرته‏..‏ سر لايملك إلا هو عز وجل اجابته‏.‏
وامام تلك النسمة الرقيقة التي تدخل صدرك دون اي استئذان لاتملك سوي ان تفتح زجاج سيارتك وتخرج رأسك لتستقبل تلك الرائحة‏,‏ وذلك الهواء الذي لامثيل له‏.‏
لانعرف لم انتابتنا حالة من حالات الخفقان بالقلب‏..‏ وربما هي بداية مرارة تمكنت من حلوقنا وربما حالة من حالات الشجن والحزن الدفين الذي انتبانا‏,‏ هل هي رحلتنا إلي شمال سيناء التي شملت العريش ورفح والشيخ زويد والدهينة حيث الحدود المصرية ـ الإسرائيلية والتي قمنا بنشرها من فترة علي صفحات جريدة الأهرام المسائي‏.‏
الحال هناك‏..‏ هل تبدل؟‏!‏
هل خفتت آهاتهم‏,‏ هل تبدل شعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة؟ هل تبددت اتهاماتهم بالعمالة والخيانة لإسرائيل؟ هل حصل المصريون علي مايثبت انهم مصريون علي الورق؟‏!‏ هل حالة التهميش التي احسسنا بها وسمعناها من ابناء الشمال هي السر وراء تلك الحالة التي انتابتنا؟ تري هل حال الجنوب هو نفس الحال؟ ام أنه اختلف؟
وإذا كانت القاعدة تقول في كل العالم ان الشمال دائما هو الاغني والاثري والأكثر عرضة للاهتمام والتدليل وان الجنوب دائما هو الجانب الافقر والاقل رعاية والأكثر معاناة هل هذه القاعدة موجودة بالنسبة لجنوب سيناء وشمالها؟ ام ان هناك مفاجآت تنتظرنا؟‏!‏
لم نشغل بالنا كثيرا‏,‏ حاولنا الخروج من هذه الحالة وبالفعل اجبرنا الطريق علي ذلك بعد ان خطف قلوبنا قبل عيوننا‏,‏ وكأن السيارة تدخل الكهوف في منعطفات الجبل‏..‏ بدت سيارتنا صغيرة جدا امام الجبال الشاهقة المخيفة جدا خاصة عندما اسدل الليل ستائره إلا اننا شعرنا بحالة من الدفء والحنين في جبال سيناء التي لم نملك امامها سوي الاستسلام‏.‏
كان امامنا خياران‏,‏ الأول ان تمضي سيارتنا عبر طريق شرم الشيخ‏..‏ والثاني ان نتجه مباشرة إلي طريق نويبع طابا‏,‏ ولم تدم حيرتنا‏..‏ بل لم تصبنا من البداية خاصة وان قرارنا كان من اللحظة الأولي التي غادرنا فيها القاهرة متجهين إلي محافظة جنوب سيناء هو‏..‏ البداية من النهاية‏,‏ وكأن سيارتنا تشعر بنا وربما تفهمنا فبدون اي كلام أو حديث ولو همسا اتجهت إلي قلب احضان جبال طريق طابا‏.‏
قد يتهمنا البعض بالجنون وربما يقولوها بالبلدي‏,‏ وش فقر خاصة وان جنوب سيناء ارتبط في اذهان الكثيرين بالنزهة والشوارع النظيفة والبحر الأحمر والشعاب المرجانية وسياحة الخمس نجوم وشواطئ دهب التي لامثيل لها والكامبات الفخمة والاستجمام‏,‏ وحقا لم نكن نبحث عن ذلك ولم يطل طريقنا فسلكنا طريقنا إلي طي النسيان في جنوب سيناء بحثا عن البشر والأهالي لرصد نبضهم وآلامهم والاقتراب من احاسيسهم خاصة ان سيناء منطقة حساسة ولها وضعها الخاص‏,‏ فهي منطقة حدودية مع عدو سيظل عدوا وسيظل بيننا وبينه دم مهما قيل من كلام‏.‏
كان حقا ما يشغلنا هو حال القبائل هناك‏,‏ لذا وقع الاختيار علي طابا لتكن نقطة انطلاقنا‏.‏
ما ان اسدل الليل ستائره حتي استقررنا في نويبع‏,‏ والحق لم نجدها كما اعتقدنا مجرد ميناء يعبر من خلاله الحجاج والمعتمرون انما مدينة لها ساحل يمكنك من متابعة المدن الاردنية والسعودية بالعين المجردة‏,‏ مدينة يمتاز ساحلها بالسياحة البدائية الممتعة حقا خاصة مع حجرات الخوص والبامبو التي طبع عليها الطابع البدوي بوضوح‏.‏
وكان في استقبالنا الحاج محمد الاحمر الناشط السياسي والمدون والذي استقبلنا استقبال الفاتحين وبدأ يساعدنا في وضع خريطة التحرك ليشاركنا لحظة بلحظة‏,‏ ولاننا كنا منهكين من مشوار الـ‏10‏ ساعات قرر ان نبدأ التحرك في الصباح الباكر‏.‏
وقبل ان يبادر وجدت فضولي يدفعني ان اسأله سؤالا خاصة وهو قد تابع رحلتنا السابقة إلي شمال سيناء فقلت له هل هناك علي أرض جنوب سيناء قبائل مصرية بدون جنسية مثل العزازمة في الشمال؟ فأجابني بصوت هادئ وضحكة ساخرة‏..‏ لايوجد لدينا بدون جنسية ولكن ناسنا بدون خدمات بدون مرافق بدون حياة‏!!‏
والحق اقول لم استطع ان افتح حوارا معه فقد كان النوم يداعب جفوني نمنا ليلتنا واستقبلنا صباحا لعله يحمل الينا إشراقا وأملا وليس يأسا ومرارة‏.‏
وفي تمام التاسعة صباحا كان الشيخ محمد الاحمر في انتظارنا وما ان رآنا حتي قال باسما الطريق إلي طابا‏,‏ الرحلة ستكون ممتعة بقدر ما هي شاقة وفي لحظات كنا داخل سيارتنا لنتحرك من نويبع إلي طابا‏,‏ والحق لم تكذب جبال سيناء خبرا لما أكده الأحمر عن متعة الطريق‏,‏ مساحات شاسعة تنفرد فيها الجبال والسماء ببطولة المشهد‏,‏ لوحات فنية متحركة يخرج منها الحجر من قلب الحجر وتتنافس فيها الالوان مع الاشكال ويسيطر فيها اللون الاصفر متناغما مع درجات البني‏,‏ والحق ايضا انتابنا العجب لمشاهد سماوية بحتة وتسمرت مقلاتنا عل تلك الشجيرات القوية الصلبة التي فاقت قوتها الصخر فحجزت لاوراقها مكانا بين الصخور ولجذورها مساحات في بطن الجبال‏.‏
تركنا الشيخ محمد الأحمر نستمتع بتلك المشاهد دون اية مقاطعة أو تعليق حتي وصلنا إلي نقطة رأس البرقة وهنا جلجل صوته مقتضبا في مقدمة لحديث طويل حين قال سليمان خاطر واستطرد‏..‏ سليمان خاطر كان جنديا مصريا وطنيا وفي يوم‏5‏ أكتوبر عام‏1985‏ م وفي اثناء قيامه بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة أو رأس برجة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته فحاول منعهم واخبرهم بالانجليزية ان هذه المنطقة ممنوع العبور فيها إلا انهم لم يلتزموا بالتعليمات وواصلوا سيرهم بجوار نقطة الحراسة التي توجد بها اجهزة واسلحة خاصة فأطلق عليهم الرصاص‏,‏ كانت المجموعة تضم‏12‏ شخصا‏.‏
تمت محاكمة خاطر عسكريا‏,‏ وفي خلال التحقيقات معه قال سليمان بأن اولئك الإسرائيليين قد تسللوا إلي داخل الحدود المصرية من غير سابق ترخيص‏,‏ وانهم رفضوا الاستجابة للتحذيرات بإطلاق النار‏.‏
سلم سليمان خاطر نفسه بعد الحادث‏,‏ وصدر قرار جمهوري بموجب قانون الطوارئ بتحويله إلي محاكمة عسكرية‏,‏ طعن محامي سليمان في القرار الجمهوري وطلب محاكمته امام قاضيه الطبيعي‏,‏ وتم رفض الطعن‏.‏
بعد ان تمت محاكمة سليمان خاطر عسكريا‏,‏ صدر الحكم عليه في‏28‏ ديسمبر عام‏1985‏ بالاشغال الشاقة المؤبدة لمدة‏25‏ عاما‏,‏ وتم ترحيله إلي السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة‏,‏ بعد ان صدر الحكم علي خاطر نقل إلي السجن ومنه إلي مستشفي السجن بدعوي معالجته من البلهارسيا‏,‏ وهناك وفي اليوم التاسع لحبسه وتحديدا في‏7‏ يناير‏1986‏ اعلنت الاذاعة ونشرت الصحف خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة‏.‏
واستمر حديثنا عن خاطر وقصته ولكنني قطعت الحديث الشيق بعد ان استفزتني مشاهد الكتل الاسمنتية الصلدة التي بعثرت علي طول الطريق فوق شاطئ سيناء‏,‏ سألت الشيخ محمد عن سر هذا التشوه الاسمنتي فابتسم ابتسامة صغيرة وقال هذه مشاريع دافوس وما ادراك مادافوس واستكمل‏..‏ المشاريع التي ترونها الآن هي خلاصة الاستثمار في سيناء بالبدء من مشروع ريفييرا الشرق الذي قيل انه شراكة مصرية إسرائيلية اردنية وقد طرح في مؤتمر دافوس لكنه توقف‏,‏ مثله مثل بقية المشاريع التي توقفت عند مرحلة الاساسات الاسمنتية المشوهة للشاطئ بعد ان هرب اصحابها بمجرد الحصول علي قروض بضمان الاساسات‏.‏
لم اوقفه أو أسأله واستمر ليقول بالطبع ستسألين عن هذه الشاليهات المصنوعة من الخوص والمهملة علي طول الشاطئ فأجيب انها السياحة البيئية التي تعتبر مستقبل سيناء والسياحة في سيناء فالسائح الذي يأتي إلي هنا لايعبأ بالفندق والتكييفات بل يريد ان يستمتع بالطبيعة والنقاهة والبيئة الجميلة وهو بالفعل مايقوم به ابناء سيناء أو بعض منهم ولكن النظام السابق كان يحاربهم لصالح اصحاب الفنادق ورجال أعمال القروض‏.‏
توقف الشيخ محمد عن الحديث واستمرت المشاهدة الجبلية في تزيين خلفية المشهد حتي وصلنا إلي جزيرة فرعون التي لاعلاقة لها بالفراعنة وهو ما أكده الشيخ محمد الأحمر حين قال إن هذه الجزيرة كانت تحوي فنارا وتم تحوير الكلمة حتي اصبحت فرعون‏,‏ وفي لحظات انقطع المشهد البحري الجبلي الذي امتزجت فيه درجات الازرق والبني حين شقت قلعة صلاح الدين طريقها إلي عيوننا وهي شامخة وسط مياه البحر الأحمر تلك القلعة التي انشأها القائد صلاح الدين عام‏567‏ هـ‏1171‏ م لصد غارات الصليبيين وحماية طريق الحج المصري عبر سيناء‏..‏ ولم يتوقف بث المعلومات علي لسان مرافقنا الشيخ محمد الأحمر حين قال كان للقلعة دور عظيم في حماية سيناء من الغزو الصليبي فحين حاصرها الأمير ارناط صاحب حصن الكرك‏1182‏ م بقصد اغلاق البحر الاحمر في وجه المسلمين واحتكار تجارة الشرق الاقصي والمحيط الهندي بالاستيلاء علي ايلة شمالا‏(‏ العقبة حاليا‏)‏ وعدن جنوبا ارسلت الحامية الموجودة بالقلعة رسالة إلي القيادة المركزية بالقاهرة عبر الحمام الزاجل وهناك برج للحمام الزاجل داخل القلعة فتصدي له العادل ابوبكر ايوب بتعليمات من اخيه صلاح الدين فأعد اسطولا قويا في البحر الأحمر بقيادة الحاجب حسام الدين لؤلؤ قائد الاسطول بديار مصر‏,‏ فحاصر مراكب الفرنج واحرقها واسر من فيها وتعقبها حتي شواطئ الحجاز وكانت تمهيدا لموقعة حطين معركة الكرامة والعزة واسترداد الحقوق العربية والإسلامية بفلسطين‏.‏
ومع هذه الكلمات كنا قدوصلنا إلي طابا‏,‏ أو للدقة قرية طابا التابعة لمجلس مدينة نويبع‏,‏ القرية الهادئة التي يعتبر اكثر مظاهرها صخبا هو أكمنة الطريق التي تؤمن الدخول والخروج‏..‏ هادئة تبعث الهدوء إلي نفسك إلي ان تصل إلي معبر طابا لتري بعينيك ما رأيناه‏..‏ علم الكيان الصهيوني يرفرف‏..‏ وارقام السيارات الإسرائيلية تجوب المكان‏,‏ وخطوات مجموعات الاسر والافراد وهي تعبر ذهابا وايابا من المعبر بعد ان حصلوا ـ طبقا للمعاهدة ـ علي اذن دخول طابا لمدة‏15‏ يوما وان ارادوا فلهم الحق في الحصول علي تأشيرة للدخول حتي شرم الشيخ‏.‏
وهنا ووسط تلك المشاهد المتزاحمة تجرك ساقك إلي اقرب الوجوه المألوفة التي ترتدي الزي المصري الذي قد يصل إلي الجلباب في موقف معبر طابا لتتحدث اليهم‏,‏ وكان هذا ما فعلناه حين اقتربنا من سائقي الموقف لنتحدث اليهم وامام اعيننا يرفرف علم الكيان الصهيوني‏..‏ وقبيل ان تنطلق اسئلتنا اوقفنا صوت ألفته كثيرا في رحلاتي إلي الاماكن الساخنة‏,‏ صوت يحمله النسر وتستلقي علي اكتافه الدبابير يقول ممكن بطاقات الشخصية لو سمحتم‏!‏ انا ضابط المباحث‏.
جريدة الأهرام المسائي ، الأحد 25 من ذى القعدة 1432 هـ 23 اكتوبر 2011 السنة 21 العدد 7483
 

سيناء‏ الجنوب‏:‏ الحلقة الثانية
ملف اعدته‏
‏ أمل سرور

إذا لامفر‏..‏ العدو امامنا والمباحث خلفنا‏..‏ هكذا كانت بالونات الافكار تتصاعد من رأسي مع هذا الصوت الرخيم الذي ارسله ضابط المباحث من خلفي وانا أبدأ الاعداد لأول المناقشات علي الحدود مع سائقي سيارات الاجرة بمعبر طابا
وأخذا بالحكمة القائلة ان لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا‏.‏ التفت إليه وانا احاول جاهدة أن ارسم كل ملامح عدم الاكتراث‏,‏ عاقده حاجبي ولكن الأمر العجيب والذي اربك كل حساباتي واستعدادي النفسي هو تلك الابتسامة التي ارتسمت علي وجهه‏,‏ ابتسامة لم اعهدها من ضباط الشرطة‏,‏ بالطبع ليست كتلك التي ترسم علي وجوههم لترسل كل مشاعر التعالي كإعلان عن بداية الكعب الداير والاسئلة التي لاتنتهي وكأنني مسجلة خطر متلبسة بذخيرة حية من الاقلام والأوراق والكادرات المصورة‏.‏ استمرت الابتسامة علي وجهه طوال تلك المدة التي عانيت فيها التقاط طرف حديث يجعلني ابدو غير مكترثة‏,‏ فأربك حساباتي مرة أخري حين عرف نفسه في أدب بالغ وذوق جم‏,‏ انا احمد عزمي من مباحث قسم العريش‏,‏ وقد نما إلي علمي وجود حضراتكم بالمعبر وكان لابد أن احضر إلي هنا ومستعد لتقديم اية مساعدة تحتاجون إليها فيما تقومون به من عمل صحفي‏.‏
ازدادت حيرتي في أمر هذا الشاب الذي نزعت ابتسامته من صدري كل التوجس والريبة‏,‏ بل نزعت كلماته المنمقة وذوقه الرفيع في الحديث تراث ثلاثين عاما من سلوك الشرطة فأجبته مقتضبة شكرا‏..‏ كسرت اجابتي حاجز الصمت ليسألني مرة اخري وهل لي ان أعلم ان كنتم تبحثون عن موضوع معين أو مشكلة ما؟ فأجبته دون تردد أو تفكير مكررة شكر‏,‏ بما يعني رفضي لتدخله في عملي فعادت ابتسامته مرة اخري ليكمل بحديثه بث الطمأنينة في قلبي ليقول أنا اسأل فقط حتي اري ان كان هناك ما يمكنني مساعدتك فيه‏,‏ ولكن دعيني اقول لك ان البشر هنا مشاكلهم اكثر مما قد يصوره القلم والأوراق‏,‏ واستطرد‏:‏ علي العموم يا استاذة انا موجود في مركز الشرطة وارجو قبول دعوتي لاحتساء كوب شاي ان كان لديك وقت‏,‏ واكرر سيناء كلها تحت امرك وان وجدت أي عائق هنا ابلغيني وسأحاول جاهدا تذليله‏.‏
شكرته وودعنا وذهب‏,‏ تاركا حيرة اكبر لدينا‏..‏ نحن علي الحدود مع الكيان الصهيوني وهذه منطقة ساخنة وكل شبر في هذا الأرض سبق صحفي مستقل‏,‏ وهذا الشاب المحترم ضابط مباحث في هذه المنطقة تركنا امام ابواب مفتوحة لنبحث عما شئنا بل عرض المساعدة‏,‏ والأدهي من ذلك انه دعانا إلي كوب من الشاي حسنا لنبدأ التفتيش عن المجهول في هذه الأرض ولنفكر فيما بعد في أمر هذا الضابط‏.‏
عدت مرة اخري إلي جلسة السائقين ولم يكن أيهم قد حرك ساكنا الجميع بقي في جلسته منتظرا يوفر كلمات الترحيب القصيرة ليبدأ عم عودة عطية الحديث وكأنما يضع بين يدي حل لغز ضابط المباحث قائلا‏..‏ الوضع بعد الثورة هنا اختلف يا استاذة‏,‏ قبل الثورة كان فيه مشاكل كثيرة من أول الحكومة التي كانت تضيق علي كل سائق هنا وكأنما هي شغلتهم التي يتقاضون مرتباتهم مقابل تنفيذها‏,‏ أو الشركات الخاصة التي طالما كان الاحتكار هدفها المتحقق دونما ادني مشقة‏,‏ اما احنا فكنا ولاد البطة السودا‏,‏ الكل يلطش فينا زي مايحب ويجاملوا بعض علي قفانا‏.‏
سألته عن نوعية الشركات التي يتحدث عن احتكاراتها هنا؟ فأجاب شركات السياحة طبعا واستطرد في طابا كان لدينا‏6‏ شركات سياحة تعمل هنا دون اي رقيب أو حسيب‏,‏ وكانت جميعها تدخل إلي قلب الحدود وتستقبل السائحين من قلب إسرائيل ليدخلوا مصر دون ان يستفيد منهم اي فرد سواهم وكانوا يتركون الزبون التعبان المفلس لنا‏.‏
وانطلق خلفه سالم أبو سلام منفعلا‏.‏ منه لله علاء حافظ هو المسئول عن كل ده لما كان ماسك غرفة السياحة في القاهرة‏.‏
سألته لم علاء حافظ بالتحديد؟‏!‏ فقال‏..‏ هو من كان يسهل لهم الحصول علي التصاريح ليدخلوا إلي الناحية الأخري من الحدود لصيد الزبائن بالتعاون مع امن الموانئ فيحضروا هنا بالليموزينات ويمرون بالزبائن امام اعيننا‏,‏ واستمر قائلا لكن الوضع بعد الثورة تغير تماما فعلاء حافظ الآن لديه ما يكفيه من مشاكل مع البنوك كما سمعنا وشركات السياحة الاحتكارية عادت إلي الفنادق في شرم الشيخ‏.‏
وهنا تحدث ابراهيم سلامة قائلا‏:‏ ليس صحيحا ان الوضع تغير تماما فأصحاب شركات السياحة مازالوا يشوهون صورة سائقي الاجرة بالمعبر ويقولون عنهم ماليس فيهم كي يخيفوا السائحين من التعامل معنا‏,‏ ومازالوا يمنعون سائقي الاجرة من ارتياد الفنادق‏.‏
استوقفني حديثه عن المعبر لأبدأ الدخول إلي المنطقة الحرجة‏..‏ السياحة الإسرائيلية‏,‏ سألته عن الجنسيات التي يتعاملون معها علي معبر طابا‏,‏ فأجاب بدون تردد السياحة في المعبر مقصورة علي السياحة الإسرائيلية لان السياحة الأوروبية تأتي عن طريق الطيران لانه ارخص كثيرا بالنسبة للأوروبيين‏.‏
ابتسم حمدي عاشور ابتسامة فيها الكثير من الاستسلام يا استاذة ليس بيدنا ان نختار السائحين لسنا من كتب المعاهدة ونحن نستقبل ايضا عرب‏48‏ من المعبر‏,‏ ويكفي ان كل سائق منا له ملفات في أمن الدولة قبل حلها طبعا بادرته وكيف هو حال المعاملة بينكم وبين السياح الإسرائيليين؟ فأجابني بصراحة بيلابطوا في الحساب‏.‏ وهنا بادر سليمان ـ‏23‏ عاما ـ في احدي المرات كنت اقل سائحا إسرائيليا ولابط في الحساب شخطت فيه سكت لانهم شعب جبان وبيخافوا منا جدا‏.‏
ومع ذكر عرب‏48‏ كان لابد وان اتساءل عن رأيهم في مصر بعد الثورة وفي ثورة‏25‏ يناير لجيبيني ناصر عجر‏:‏ عرب‏48‏ مبسوطين من الثورة لكن اليهود كارهينها وكانوا يروجون شائعات عن ان مصر اصبحت مليئة بالبلطجة والسرقة والقتل‏.‏
بعد هذه الاجابات كان علي ان اسألهم‏..‏ واين كنتم وقت الثورة من يوم‏25‏ يناير إلي يوم التنحي؟ ويجيبني حمدي‏:‏ ساعة الثورة مشينا من سيناء كلها وعدنا إلي قرانا ومحافظاتنا والتزمنا لمدة تزيد علي الشهرين‏,‏ ولكن ذلك ليس معناه اننا كنا من اتباع حزب الكنبة فالحقيقة اننا مرتبطون بالميدان ـ يقصد ميدان التحرير ـ وبكل ما كان يحدث فيه لان له فضلا كبيرا علينا من أول رحيل النظام وحتي رحيل شركات السياحة وشرطة السياحة التي كانت تتواطأ معهم ضدنا‏.‏
تساءلت وكيف تسير الأمور الآن؟
فقال نصار علي العمل يكون جيدا جدا في وقت أعيادهم‏,‏ ولكن الآن مافيش شغل والحقيقة اننا الذين أنشأنا هذا الموقف بالجهود الذاتية بنينا مسجدا ودورة مياه والمحافظة بنت لنا كافيتريا‏,‏ ولاختصار ما حدث في الموقف والشغل دعيني اقل لك ان الموقف كان به‏250‏ سيارة والآن نحن‏20‏ سائقا وسيارة فقط والبقية رحلوا بحثا عن مكان اخر‏.‏
فقلت لهم وكيف تكونون راضين عن الثورة إذا كنتم كما قلتم والحال أسوأ من الناحية المادية؟ فأجابني حمدي عاشور‏:‏ الحكاية بسيطة ياأستاذة الثورة كانت بإيدينا وعملناها عشان البلد تكون احسن ونقدر نبنيها زي ما نحب عشان تخدم الكل والخير يعم وعلشان كده لازم نستحمل شوية قلة الشغل‏,‏ لكن قبل الثورة كان فيه ايام اسوأ من كده من ناحية الشغل والماديات وكمان امننا احنا‏,‏ فمثلا في ايام احداث طابا وإيلات كانت الحالة ضنك والقبض والاعتقال للي جاي واللي رايح رغم اننا في حالنا ومالناش دعوة بحد ولا لينا يد في اللي حصل‏.‏وهنا بادر محمد خيرت‏:‏ يا استاذة انا حاصل علي بكالوريوس تجارة وأعمل هنا بالموقف لان اللي رمانا علي المر هو اللي امر منه‏,‏ والحقيقة رغم اننا في حالنا لكننا نشعر ان الجميع يحاربنا في لقمة عيشنا البسيطة‏,‏ فلا يوجد اي اهتمام بالموقف ولابتنمية طابا كلها فهل يعقل ان يكون لدينا محطة كهرباء في طابا تصدر الطاقة إلي تركيا وسوريا والأردن ومعظم طابا ليس بها كهرباء؟ هل يعقل ان يدبروا هم عمليات الإرهاب والتفجيرات ونتحمل نحن مسئوليتها؟ هل يعقل يا استاذة ان تكون طابا بجلالة قدرها قرية والحقيقة انها تستحق ان تكون مدينة لرفع ميزانيتها لكي نستغل مواردها بشكل جيد‏,‏ ولكي تتم تنمية الموارد الزراعية والصناعية التي يمكنها رفع معيشة ابناء طابا بدلا من الاهتمام المفرط بالسياحة الفندقية والخمسة نجوم والتي تزيد الغني والفقير فقرا‏.‏ ويقطع مصطفي عبدالسميع ـ عامل نظافة ـ حديثنا ليقول‏:‏ ان عمال النظافة بالمعبر ايضا يعانون فالمرتبات لاتزيد علي‏450‏ جنيها ومطلوب منا ان نأكل ونشرب ونعيش ونسكن بهذا المرتب الهزيل‏.‏
توقفت كلمات الرجل بعد ان شعر بيدين الفهما جيدا‏,‏ هما يدا ضابط شرطة السياحة الذي بادره بالسؤال هو فيه مشكلة ولا حاجة؟‏!‏ اصررت علي إعادة السؤال علي مصطفي فأصر بدوره علي اعادة الاجابة مرة اخري وكأن لسان حاله يقول العمر واحد والرب واحد‏.‏
ومع هذه الاجابة غادرنا معبر طابا لنترك خلفنا حلما بعالم اخر يرفرف علي الحدود‏,‏ وكنا في طريقنا إلي منطقة مراخ ـ أول قري الحدود المصرية ـ لنلتقي مع شاهد علي التاريخ‏..‏ الشيخ مسمح‏.
جريدة الأهرام المسائي ، الأثنين 26 من ذى القعدة 1432 هـ 24 اكتوبر 2011 السنة 21 العدد 7484
 
ســـــيناء‏..‏ الجنوب : الحلقة الثالثة
ملف أعدته‏
‏ أمل سرور

ناس الحدود‏..‏ عليهم كل الواجبات‏,‏ وليس لهم أي حقوق‏,‏ هم المهمشون والمنسيون والمتهمون دائما بتهم تقشعر لها الأبدان وأبسطها تهمة العمالة والتخوين والانتماء للجهة الأخري من الحدود.

والتي رمتهم اقدارهم أن تكون جهة عدو لكل العرب وليس لمصر فقط‏,‏ ناهيك عن عن اتهامهم بالتجارة في البانجو والحشيش والأفيون وزراعة مئات
الأفدنة وتهريب الاسلحة والانتماء لمافيا الأفارقة التي تهرب لإسرائيل يهود الفلاشا‏.‏ الملف السابق الذي نشره الأهرام المسائي عن أهل شمال سيناء نقلنا صرخات واستغاثات كانت تشوبها نبرة الغضب من اللقب الذي وجدوا أنفسهم يحملونه قهرا وهو يهود سيناء‏,‏ ويبدو أن الأمر لن يختلف كثيرا بالنسبة لأهل الجنوب وهذا ما حاولنا أن نقترب منه عندما دخلنا إلي منطقة مراخ الواقعة خلف كمين طابا لنجلس مع ناس الحدود ونرصد وننقل حالهم ومعيشتهم وبالتأكيد صرخاتهم ومعاناتهم التي تستطيع أن تبصم معهم بالعشرة أنهم موتي علي قيد الحياة‏.‏
‏5‏ كيلو هي المسافة التي قطعتها سيارتنا من منفذ طابا إلي بدو الحدود في منطقة مراخ‏,‏ هم من قبيلة اللحيوات الممتدة من الكونتيلا في صحراء النقب وحتي القصبة الأردنية‏.‏ استقبلونا بطابعهم البدوي‏,‏ استقبالا حافلا برائحة وطعم الشاي العربي‏,‏ وبدأت جلستنا التي ضمت حوالي‏30‏ شخصا‏,‏ وجري الحديث وسط عشش الكرتون والصفيح التي يطلق عليها بيوت‏.‏
ووسط كل ذلك إنطلق عم حسن سالم قائلا‏..‏ إحنا عايشين ميتين‏,‏ بيوتنا من الخشب والصفيح وأي حاجة نلاقيها بنرقع بيها منازلنا‏..‏ وأهي تحمينا من حر الشمس وبرد الجبال القارس‏,‏ عايشين في ظلام بلا كهرباء ولا نقطة مياه تصلنا هنا‏,‏ لا يوجد سوي محطة مياه علي بعد‏3‏ كيلو مترات و نسواننا يملأن منها وعشان كده عايزين يشردن عننا‏,‏ الست نفسها تعيش في بيت مش في حظيرة واحنا عايشين علي تكال الله بشوية غنم وبنرعي وأهي بتساعدنا ودنيتنا بتمشي‏,‏ الأراضي أخذها المستثمرون الحرامية اللي مرميين دلوقتي في سجن طرة وإحنا البدو محظور علينا يترخصلنا أراضي والواحد فينا لازم يكون معاه شركة مساهمة لأن الأرض هنا في جنوب سيناء ملك هيئة تنمية السياحة‏.‏
ساد الصمت واتجهت الأنظار إلي ذلك الشاب الذي اقتحم جلستنا‏..‏ شاب يقترب من الخامسة والعشرين عاما ورغم صغر سنه لكن كلمته تبدو مؤثرة ومسموعة‏,‏ فالجميع هب واقفا للسلام عليه بل إنهم فوضوه للحديث نيابة عنهم ربما لأنه الأكثر ثقافة أو ربما لصيته الذي حصل عليه من جده الشيخ مسمح‏.‏
اعتدل الشاب سلامة عطية مسمح في جلسته بعد أن توسط الجميع‏,‏ وبدأ الحديث بترتيب وهدوء يحسد عليه قائلا‏..‏ عندنا مشاكل بالكريك يقصد بالهبل‏,‏ ودعيني أبدأ الحديث عن مشاكل بدو الحدود والذين نمثلهم نحن في منطقة الكرخ من عند التعليم‏,‏ منذ اليوم الأول الذي استلمنا فيه طابا أي من عام‏1984‏ وحتي‏2011‏ لا توجد أي مدرسة لكي نعلم أطفالنا ولا حتي فصل في طابا وأول مدرسة تبعد عن قرية طابا بحوالي‏70‏ كيلو مترا وتعدادنا كسكان لهذه المنطقة حوالي‏800‏ فرد منهم‏850‏ أسرة وأقل أسرة فيها طفلان أو ثلاثة‏,‏ والمشكلة الثانية هي البنية التحتية‏..‏
نحن بشر وكما تقولون بالعامية بني أدمين نعيش في ظلام دامس بلا كهرباء ولا مساكن تصلح لسكن إنسان‏,‏ ولايوجد حتي أي تخطيط لأماكن سكنية‏..‏
ياسيدتي‏,‏ نحن نعيش بلا صرف صحي‏,‏ وبلا أي خدمات‏,‏ ولأنه لاتوجد لدينا أي خدمات للتعليم فلا توجد أي مهن يستطيع أن يعمل فيها أهل البدو وربما المهنة الوحيدة هي حارس أو جمال علي جمل‏,‏ ورغم أننا لدينا القدرة علي عمل مشاريع علي أرضنا التي لا نملكها وليس لنا الحق في تملكها لأنها ببساطة ملك هيئة تنمية السياحة التي لا ترخص لنا ليس لبناء مشروع فقط ولكن حتي لبناء مسكن‏.‏
أما عن مشكلة الخدمات الصحية ـ والكلام مازال علي لسان سلامة ـ فأبشري نحن لدينا مستشفي يرقي لأن يكون مستشفي خمس نجوم ولكن السؤال يبقي‏..‏ أين الأطباء والتخصصات والممرضات؟‏.‏لايوجد إلا ممارس عام لا يرقي لأن يكون حتي ممرض لأنه لا يستطيع أن يعطي حقنة لمريض‏,‏ ولو فأجأنا طفل بإلتهاب في الزائدة الدودية أو سيدة في حالة ولادة لا نستطيع إلا أن نذهب بهما إلي مستشفي نويبع الذي حوله أو يحولها بدوره إلي مستشفي شرم الشيخ وطبعا من المعروف أن مستشفي شرم إستثماري يعني بالفلوس ولا يصلح لأبناء البدو بل صنع لمبارك‏.‏
وحتي العشش العشوائية التي نعيش فيها يريدون إزالتها‏,‏ ومعمول لها عدد كبير من المحاضر بمخالفات وكل منا دفع غرامة‏2000‏ جنيه قيمة المخالفة‏,‏ كل هذا الظلم ويلقبوننا بـيهود سيناء بل ويتهموننا بالخيانة والعمالة‏,‏ كل ما أريد قوله في هذا الشأن أن الملفات الخاصة بالجواسيس والعملاء موجودة كلها في الجهات الأمنية والسيادية المختصة بذلك وأتحدي أن يكون هناك ملف واحد يخص بدويا أو أيا من أبناء سيناء‏.‏
نحن مواطنون مصريون ووطنيون‏,‏ وتاريخنا في مصر يشهد بأننا وقفنا وقفة رجل واحد في‏1967‏ عندما قمنا بحماية جنودنا المصريين وهربنا هم وساعدنا الجهات الأمنية والسيادية‏,‏ وفي‏1973‏ قدمنا شهداء مثلنا مثل أي مواطن مصري ففي كل بيت سيناوي ستجدين أم شهيد أو زوجة شهيد أو أخت شهيد‏,‏ بل ستجدين نساء استشهدن بالرصاص الإسرائيلي الغادر‏,‏ كل ما استطيع أن أقوله أنه منذ أن استلمت مصر سيناء نحن البدو لم نأخذ حقنا في أي شيء سواء في تعليم أو صحة أو وظائف أو مناصب حكومية ولا حتي في تمليك الأراضي‏,‏ نحن نعامل معاملة غير بقية المحافظات وكأننا مواطنون من الدرجة العاشرة‏.‏
ويستكمل سلامة‏..‏ عندما قامت ثورة‏25‏ يناير عشنا معها الحلم بأننا سنأخذ مطالبنا وأحلامنا المشروعة ولكن الي هذه اللحظة لم نجن أي ثمار‏,‏ كل ما نطلبه هو تعمير سيناء وأظن أن هذا لن يعود بالنفع علي البدو فقط بل علي مصر كلها‏,‏ لمصلحة من تظل سيناء صحراء ويظل ناسها يعانون ويصرخون ويتألمون ويعيشون علي هامش الحياة‏..‏ مساحة سيناء تكاد تكون دولة تكفي وتستوعب أبناء الوادي العاطلين والذين لا عمل لهم سوي المقاهي والشيشة والتدخين بل والمخدرات‏,‏ فلماذا لا تستوعب هذه الأرض أبناء الوادي وأهل سيناء فنحن لسنا ضدهم بل نريد أن نكون يدا بيد لبناء سيناء‏,‏ لماذا ايضا لا يتم توطين أهل سيناء وإن حدث ذلك سيتحقق الأمن القومي أم أن المسئولين يقولون ان سيناء أمن قومي ويتغنون كل عيد تحرير ليتغنوا بالأغاني وتأتي محطات العالم في زيطة تسجيل الاحتفالات وكل شيء يروح لحاله؟‏!..‏
أما عن السلاح والمخدرات‏..‏ دعيني أقول لك صراحة إن المثل المصري الشهير القائل إيه اللي رماك علي المر‏..‏ قال اللي امر منه هذا ما ينطبق علي حال البعض في سيناء وأقول البعض وليس الكل‏,‏ وأعترف لك صراحة أن هناك بعض الناس تتاجر في المخدرات والسلاح ولكن لم لا ننظر نظرة أكثر تعمقا‏,‏ هل يوجد عمل متوافر كفندق أو مصنع أو أرض زراعية أو مشروع من المشاريع أو ظيفة من الوظائف‏..‏ وقلنا له لا‏!!‏
والإجابة أنه لايوجد‏..‏ فلم تلومون علي الناس وكيف يأكلون ويشربون؟ والحقيقة انه كانت هناك نية صادقة حقا للتنمية يجب أن نوفر لهم فرص عمل‏,‏ ويجب ألا نأخذ العاطل مع الباطل‏,‏ وإشمعني لما اتمسك شاب في عمر الورد من الدلتا بيتجسس لإسرائيل ليه مقلناش أن كل اهل الوادي خونة‏..‏ ثم أن في مصر سلاحا ومخدرات هل يعني ذلك أن كل أهل مصر تجار سلاحا ومخدرات‏..‏ يا استاذة كل ما نطلبه هو أن تتم معاملة أهل سيناء كبقية محافظات مصر‏.‏
قطع حديث سلامة عم سالم قائلا‏..‏ وكأن شيئا لم يكن وكأن ثورة‏25‏ يناير لم تقم من الاساس‏,‏ امتلأت جنوب سيناء بالأكمنة مرة أخري نحن لسنا ضد الأمن علي الإطلاق ولكن عليهم أن يتعاملوا بإحترام لأننا لن نسمح بعودة معاملة حبيب العادلي مرة أخري وصاروا يرفضون دخول سيارات الشمال الي الجنوب وكأنهم يريدون فصل الشمال عن الجنوب رغم أنهما في بلد واحد‏.‏
وبحديث عن سالم إنتهت جلستنا مع بدو الكرخ وقبيلة اللحيوات أو بالأصح مع بدو الحدود‏,‏ وطوال الطريق الي نويبع وسط الجبال وكانت رباعية جاهين تتردد في آذاننا قائلة‏..‏
ياللي أنت بيتك قش مفروش بريش
تقوي عليه الريح‏...‏ يصبح ما فيش
عجبي عليك حواليك مخالب كبار
وما لكش غير منقار وقادر تعيش
الترابين‏..‏ قرية الصيادين
في طريقنا إلي نويبع كان ولابد لنا أن نمر علي قرية الترابين‏,‏ وهي مركز الصيد والصيادين وهي في سيناء مهنة من لا مهنة له فالخليج مفتوح ويمكنه إغراق مصر كلها بالاسماك ولكن رغم ذلك لا نزال نستورد الاسماك ونحن دولة تملك مسطحات مائية لا تعد ولا تحصي‏.‏
وهذا ما دفعنا إلي توقع وجود مشكلات كثيرة للعاملين بمهنة الصيد في سيناء‏,‏ وبالفعل ما أن دخلنا إلي الترابين حتي ترجمنا من علي الوجوه العابسة مظاهر البؤس والشقاء والفقر‏,‏ وربما لم يكن في اذهاننا ذلك بل كنا نتصور ان اكلة سمك طازجة وساخنة بعد يوم شاق تزيل عنا آثار السفر والتعب ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن‏.‏
بدأ الحديث عيد جمعة عيد شيخ الصيادين قائلا‏..‏ أعمل في مهنة الصيد يمكن من‏40‏ سنة ووالدي كان شيخ الصيادين وبالوراثة حليت مكانه‏.‏
لدي هنا أكثر من‏40‏ صيادا وكلهم حالهم واقف‏,‏ كانت أهم حاجة في مهنتنا الحفاظ علي البيئة خاصة ان خليج العقبة ليس كالبحر المتوسط أو نهر النيل لأنه ملئ بالسمك الملون والشعاب المرجانية والثروة السياحية التي يقطع آلاف السياح أميالا لمشاهدتها‏.‏
لذا كنا نصطاد السمك بشباك معينة له عيون واسعة لكي نحافظ علي الزريعة‏,‏ لكن الوافدين من الصيادين القادمين من بحيرة المنزلة يمتلكون مراكب وهم السبب وراء وقف حالنا بل وإهدار ثروة خليج العقبة لانهم يلقون بشباك لمسافة‏5‏ كيلو في المياه وشباكهم تعلق بالشعاب المرجانية وحينما يقومون برفعها يتم تدمير الشعاب المرجانية‏.‏
قطع حديثه عويمر عايد قائلا‏..‏ بيعجنوا عيش ويخلطوه بسم ليميد وده طبعا مبيد وفي خلال ساعة الصياد يستخرج اكثر من‏30‏ كيلو سمك أما الباقي فبيطلع علي الشط ميت وطبعا المبيد ده لا يفرق بين صغير أو كبير‏,‏ وده طبعا أثر علي السمك في خليج العقبة ولا ابالغ عندما أقول السمك خلص‏,‏ والبحر معادش زي زمان‏.‏
أما عم عتيق فتحدث صارخا‏.‏ أنا تركت المهنة دي من وجع القلب‏,‏ زعلان وحزين علي البحر أصل البحر حياتي وهو صاحبي وابني وأبويا بشكيله همي وبحب مهنة الصيد وكأنها عيل من عيالي الناس اللي جايين من بره خربوها كل اللي همهم إزاي يصطادوا أكبر كمية مش مهم السمك يكون مسمما ويسمم اللي بياكله تموت الثروة السمكية يكسروا الشعاب المرجانية‏,‏ كله مش مهم‏.‏
وبيستخدموا طرقا ممنوعة ـ والكلام علي لسان عتيق ـ مثل طريقة القوبيا‏,‏ وهي صندوق من الحديد السمك بيدخل فيه ميقدرش يخرج‏,‏ بيرموه ويضعوا للسمك الخبز المخلوط بالسم وممكن يتركونه يومين أو ثلاثة أيام ويعودوا لأخذه وطبعا ممنوع ولو سألتينا فين ضباط المسطحات المائية هاقولك متواطئين ما هم كذا مرة عملنا معاهم مشاكل لكن مافيش فايدة‏,‏ مافيش سمك وماعادش فيه مواسم يعني مثلا الشعور مفروض يكون موسمه في شهر‏6‏ لكن طفش وما عادش يجيي والأمر ينطبق علي المرجان والشيذان والبوري والحريد الكبير‏.‏
ويستطرد شيخ الصيادين الحديث قائلا‏:‏ نحن من سنتين قررنا نحمي المنطقة والبيئة واتفقنا مع البيئة ونجحنا في نزع أي شباك أو قوبيا من تلك التي تركوها في قاع البحر‏,‏ ونجحنا بالفعل في نزع أكثر من طن ونصف شبك و‏600‏ صندوق قوبيا‏.‏
وبعدها بستة أشهر شعرنا ان هناك فارقا وعاد السمك مرة أخري لكن رجعت ريما لعادتها القديمة وعملنا مشاكل مع الصيادين الوافدين لكنهم رموا بنزين في البحر وعملنا إحنا الإتنين محاضر لكن بتوع البيئة نصروهم علينا‏.‏ بعد الثورة كلمنا المحميات والجهات السيادية وحماية السواحل ورئيس المدينة لكن محدش اتحرك‏.
جريدة الأهرام المسائي ، لثلاثاء 27 من ذى القعده 1432 هـ 25 اكتوبر 2011 السنة 21 العدد 7485

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق