شعراء «هُذيل» يستعرضون وينشدون تاريخها في إربد
الرأي- أحمد الخطيب - نظم ديوان عشيرة آل التل مساء أول من أمس لقاءً هو الأوّل من نوعه في محافظة إربد بعنوان:» يوم من أيام سوق عكاظ»، شارك في فعالياته عدد من أبناء ومشايخ قبيلة هُذيل في الجزيرة العربية، وهم: د. هليل الهذلي، د. فهد الهذلي، د. ياسر الهذلي، إلى جانب مشاركة الشعراء الأردنيين: نايف أبو عبيد، د. محمود الشلبي، محمود فضيل التل، وفيصل العمري.
مرحباً بأبناء هُذيل في مدينة إربد، مرحباً بأصحاب البلاغة والفصاحة، مرحبا بمن يؤكدون أن اللغة العربية هي لغة جميلة، وهي الأجمل، وأن الأدب العربي منذ أن كان عاشت عليه الأمة العربية وعاشت عليه أمم كثيرة، وأن الأدب العربي هو الذي أشع على أوروبا بأنواره، وبقيم الأدب الرفيع، بهذه الكلمات الترحيبية افتتح المحامي عبد الرؤوف التل رئيس بلدية إربد الأسبق كلمته في مستهل اللقاء الذي أقيم وسط حضور جماهيري لافت.
وأضاف التل بأن قبيلة هذيل من القبائل العريقة التي تعيش في الحجاز، وكان أبناء العرب يبعثون أبناءهم إلى هذيل من أجل أن يتعلموا البلاغة والفصاحة، مشيرا إلى أن شعراء هذيل لم تنقطع سيرتهم إلى هذه اللحظة، وها هم أحفادهم من الشعراء المعاصرين بيننا في لقاء فريد نطل من خلاله على هذه القبيلة الشاعرة المثقفة.
من جانبه تناول د. هليل الهذلي سيرة الصحابة من قبيلة هذيل كإشارات سريعة، لأن ترجمتهم جميعا تحتاج إلى وقت كبير، فأعدادهم الكثيرة لا يتسع المقام لها وفق د. هليل.
واستعرض د. هليل حالة الحجاز عند ظهور الإسلام، واستقرار مكة، ورحلة الشتاء والصيف، والأحلاف رغم اختلاط الأديان، لافتا أن هذا الوضع شكل تمهيداً لقبول الدعوة المحمدية، ولأن هذيل كانت تشكل القوة الكبرى المحيطة بمكة، فقد ساهم هذا بدخولها الإسلام.
وقال إن جملة من الأسباب دعت هذيل للإقبال على الإسلام، منها: شخصية النبي، الشخصية النموذج الذي يحتذى بها، صفاء الذهن الذي كانت تتمتع به القبيلة، الفصاحة والبلاغة والتي تجلت في القرآن الكريم، ونزول القرآن على لهجات ومنها لهجة هذيل، والاتحاد بالنَّسب بين هذيل والرسول الكريم، وحالة الاستقرار الذي كانت تعيشه قبيلة هذيل.
كما استعرض دور هذيل في الإسلام، منوها بعدد من الصحابة من قبيلة هذيل ومنهم: عبد الله بن مسعود، أبو ذؤيب الهذلي الشاعر المخضرم، وسنان بن سلمة الهذلي فاتح الهند، كما تحدث عن ديوان:» الهذليين» لأبي حسن السكري والذي ضم أكثر من 250 شاعرا من القبيلة.
بدوره قدم د. فهد الهذلي رئيس رابطة قبائل هذيل في العالم كلمة شكر فيها المنظمون لهذا اللقاء الذي يساعد على اللحمة بين الشعبين السعودي والأردني، معتبرا أن اللقاء في ديوان آل التل يشكل فرصة للتعرف على رمز من رموز الفكر والإبداع « عرار»، لافتا إلى العلاقات الضاربة في جذور التاريخ بين السعودية والأردن والتي عززت أوشاجها الدعوة المحمدية التي انطلقت في بطحاء مكة أم القرى، وهي مرتكزة على شرعية دينية إلى جانب شرعيتها التاريخية.
ونوه بتاريخ قبيلة هذيل التي تعد من أكبر قبائل الحجاز وتنتشر في مكة وخارجها وتنتسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، ويفوق عددها في مكة لوحدها مليون المليون نسمة، لافتا إلى إنشاء مكتبة ومتحف في مكة المكرمة يحتوي على كنوزها التاريخية والحضارية والوثائقية.
وأشار إلى دور هذيل الذين عرفوا بالشجاعة وامتازوا بها في التاريخ، حيث وقفوا في وجه أبرهة الحبشي، وهم أول من وقفوا مع الثورة العربية الكبرى بمعركة « خندمة» في مكة المكرمة، ومعركة وادي موسى في الأردن.
إلى ذلك ألقى د. فهد باقة من قصائده الكلاسيكية والشعبية، منها: « الناي»، « تدمر»، و « أنا من هذيل» ومن الأخيرة نأخذ المقطع التالي:
أنا من هذيل وهذه أمجادي
صوت تردده صخور بلادي
أمّ القرى مهدي وموطن عزّتي
عشق تفتّق روضه بفؤادي
الله ربي والرسول محمد
نور أنير به طريق رشادي
أنا من هذيل فمعقل جدّ الألى
فمن ذا مشبهٌ أجدادي
ومرتّل القرآن منا سابق
سبقتْ عبادته على العبّاد
وابو ذؤيب خطيبنا وأديبنا
شمس تباهي في سماء الضاد
ومن جانبه قرأ د. ياسر الهذلي قصيدتين الأولى أهداها لمدينة عجلون الأردنية، والثانية بعنوان:» هذيل» كما قرأ الشعراء الأردنيون: الشلبي وأبو عبيد والتل والعمري باقة من قصائدهم الشعرية التي تغنت بجمال المكان الأردني في الأغوار الشمالية وبالأردن والإنسان.
جريدة الرأي ، عمّان ، الأردن ، السنة الخامسة والأربعون ، الأحد 11 جمادى الآخرة 1437 هــ 20 / آذار 2016 م ، العدد 16555 ، ص 34
على هامش … ليلة شعر عربي ملتهب
المحامي عبد الرؤوف التل
أريد أن احدثكم عن ليلة في أربد كان فيها لجمال اللغة العربية سحراً يأسر الالباب، وبيان يجعل من يسمع الكلمة العربية المشرقة ينطلق في عالم الخيال، وعذوبة صوت الناي، ورقة الموسيقى الحالمة التي تبعثها أبيات الشعر العربي الجزل، يجعلك تؤمن أن اللغة العربية هي أجمل اللغات، وأقوى اللغات واكثر اللغات قدرة على التعبير عن خلجات النفس، ونبضات القلب هي اللغة الاكثر قدرة على استيعاب العلوم والمعارف والتعبير عما يجول بخاطر الناس من افكار وقيم .
أريد أن احدثكم عن ليلة في أربد كان فيها لجمال اللغة العربية سحراً يأسر الالباب، وبيان يجعل من يسمع الكلمة العربية المشرقة ينطلق في عالم الخيال، وعذوبة صوت الناي، ورقة الموسيقى الحالمة التي تبعثها أبيات الشعر العربي الجزل، يجعلك تؤمن أن اللغة العربية هي أجمل اللغات، وأقوى اللغات واكثر اللغات قدرة على التعبير عن خلجات النفس، ونبضات القلب هي اللغة الاكثر قدرة على استيعاب العلوم والمعارف والتعبير عما يجول بخاطر الناس من افكار وقيم .
شارك في هذها الليلة الادبية نفر من شعراء الجزيرة العربية من قبيلة هذيل، ونفر من شعراء الاردن في اربد، ضجت قصائدهم حتى اصبحت كموج البحر الهادر في إثارة العواطف وقوة الانفعال رقت كلماتهم حتى اصبحت كالماء العذب الرقراق زلالا نقياً.
شعراء من الحجاز
أما شعراء المملكة العربية السعودية، فهم من منطقة الحجاز من قبيلة هذيل، منازلهم حول مكة المكرمة، وقبيلة هذيل عربية اصيلة اشتهرت في الجاهلية بالفصاحة والبلاغة وطلاقة اللسان، وكان اثرياء عرب الجاهلية يبعثون ابناءهم الى صحراء قبيلة هذيل من أجل أن يتعلموا طلاقة اللسان والفصاحة والبلاغة والبيان، ومنازل هذيل حول مكة المكرمة مثل سور حاجز يمنع الغزاة من دخولها فهم الدرع الأول لحمايتها من أي عدوان، وكان لهذه القبيلة العربية صولة وجولة مع أبرهة الأشرم وجيشه العرمرم الذي جاء ليهدم الكعبة، لكن طيور أبابيل هزمته شر هزيمة، ولقبيلة هذيل ايضا معركة مع القرامطة الذي سرقوا الحجر الاسود من الكعبة المشرفة حيثوا ساهم رجال هذا القبيلة في قلع جذور القرامطة من بلاد العرب .
الشاعر الهذيلي الذي شنف الاذان، وآثار العواطف هو الدكتور فهد المعطاني الهذلي رئيس مجلس أدارة مجلة لسان العرب التي تصدر في الرياض هو كاتب وشاعر يجيد فن القاء الشعر العربي بصوت جهوري كأنه الرعد، بلغة عربية فصيحة جزلة، تؤكد أن البيان سحر حلال، عن ليلة الشعر العربي الملتهب، لابد من الحديث بايجاز عن اشعار الهذليين الذين يعدون بالمئات منذ عصور الجاهلية حتى الآن، ويروى أن الامام الشافعي رضي الله عنه كان يحفظ آلاف الابيات من أشعار هذيل باعرابها وغريبها ومعانيها، وذكر الاصمعي انه قرأ شعر هذيل عليه وكتاب شرح أشعار الهذليين يتحدث عن مئات منهم وهو كتاب ضخم يقع في ثلاث مجلدات، صنفه ابن سعيد الحسن بن الحسين السكري، وقد أثرى شعراء هذه القبيلة العربية العريقة تراث العرب الشعري على مدى عصور وعصور، وما زال أحفادهم حتى هذ الايام يهدرون بقصيدهم الفصيح على امتداد الوطن العربي .
أبو ذؤيب الهذلي
ومن أشهر شعراء هذيل وشعراء العرب أبو ذؤيب الهذلي، الذي عاش في الجاهلية ولحق الاسلام واسلم، وهلك له بنون خمسة في عام واحد، أصابهم الطاعون، وكانوا هاجروا الى مصر ومات والدهم ابو ذؤيب في خلافة عثمان ابن عفان بعد أن رثاهم في قصيدة تعتبر من عيون الشعر العربي والشعر الملحمي العالمي، حيث قال فيها :
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
قالت اميمة ما لجسمك شاحبا
قالت اميمة ما لجسمك شاحبا
منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
أم مالجنبك لا يلائم مضجعا
أم مالجنبك لا يلائم مضجعا
الا اقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها أن ما لجسمي أنه
فأجبتها أن ما لجسمي أنه
أودى بني من البلاد وودعوا
ولقد أرى ان البكاء سفاهة
ولقد أرى ان البكاء سفاهة
ولسوف يولع بالبكاء من يفجع
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم
فتخرموا ولكل جنب مصرع
ولا شك أن قصيدة أبو ذؤيب الهذلي تستحق القراءة والشرح، لان فيها متعة أدبية رقيقة وراقية وفيها ألم موجع بسبب فقدان أبناء خمسة في مرض الطعون لاب شاعر يجيد فن التعبير عن الاحاسيس الانسانية مما يؤكد أن الادب العربي، عاشت عليه امة العرب قرون عديدة، واقتبست منه اوروبا كثير من القيم الشعرية والتصورات الابداعية التي ساهمت في تشكيل الاداب الاوروبية الحديثة .
جريدة الدستور ، عمّان ، الأردن ، السنة التاسعة والأربعون ، الأحد 11 جمادى الآخرة 1437 هــ 20 / آذار 2016 م ، العدد 17481 ، ص 17
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق