قال محمد سليمان الطيّب : " يقول الرواة : إنَّ رجلاً أراد أن يتعدّى على المساعيد ويحكم في قضاء المنهى بفلسطين ، فقال له آخر عندما وجده لا يحسن قطع الحقوق مثل المساعيد :
دع الحكم لراعيه والقضاء لأهله فإن الحكومة من بني شيبان أي كما قال الشاعر :
( موسوعة القبائل العربيّة ، محمد سليمان الطيبة ، الطبعة الثانية مزيدة ومنقّحة ، 1418 هــ 1997 م ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، مصر ، المجلّد الأوّل ، ج 1 ، ص 139 )
قلت : في هذا من الأكاذيب والأغاليط أعاجيب منها :
1ــ لم يكن القضاء في يومٍ من الأيّام في بني شيبان لا في الجاهليّة ولا في الإسلام ، وإن كان لبني شيبان من المفاخر الكثير ، وعلى من ادّعى أن القضاء في بني شيبان إبراز الدليل وهيهات هيهات .
2ــ أنّه منذ أن دخل العرب في الإسلام ومنهم بنو شيبان لم يبق من أحكام الجاهليّة وقوانينها شيء فقد جبّها الإسلام ، وحلّت أحكام الشرع في بلاد الإسلام محلّ كافّة الأحكام والعادات والتقاليد والقوانين الجاهليّة طوال العهد الإسلامي في زمن الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس إلى أن ضعفت أحكام الدولة في بعض نواحي البلاد الإسلاميّة ، فأخذت القبائل تحتكم إلى قضاةٍ منها ، وكانت أحكامهم مستمدّة من الشريعة الإسلامية ، ثمّ أخذت فيما بعد تتطوّر مبتعدة عن الشرع في بعض الجوانب .
3ــ أنَّ صاحب هذه الأبيات هو الشاعر جرير وهو جرير بن عطية التميمي ( 33 هــ ــ 110 هـ 653 ــ 728 م ) ، وليس الأعشى المتوفّى حوالي عام 7 هــ كما زعمه محمد سليمان الطيب .
4ــ ما زعمه الطيب أنّ الشاعر : ( لا يقصد كليب بن ربيعة بن مرّة أخي المهلهل من تغلب بن وائل ولكنّه كليب آخر كان قائداً لقوّات الفرس حين قول القصيدة ) ، هو من كيسه وبضاعته فمن هو هذا الكليب الآخر ؟ وهل كان للفرس قوّات تحارب الدولة الإسلامية آنذاك ؟ ما هذا التهريج ؟
فالقصيدة التي منها هذه الأبيات قيلت في مجلس بشر بن مروان الأموي الذي ولي الكوفة عام 71 هــ ثمّ ضمّت إليه البصرة عام 73 هــ وتوفّي عام 74 هــ كما ذكره المؤرّخون .
5ــ أنّ قصّة هذه الأبيات كما ذكرها ابن سلّام الجمحيّ ( 139 ــ 231 هــ ) أنَّ بشر بن مروان ألزم الشاعر المعروف الأخطل التغلبيّ بأن يحكم بين جرير والفرزدق ، فحكم بتفضيل الفرزدق فأغضب هذا جريراً فنظم هذه الأبيات يهجوا بها الأخطل التغلبيّ بما فعلته بكر بن وائل بتغلب حينما قتلوا كليباً بسبب ناقة جارتهم البسوس ، فالحكم هو لبني شيبان حينما قتلوا كليباً .
6ــ أنَ البيتين الذين ذكرهما الطيب محرّفان وفيما يلي تصحيحهما :
1ــ صدر البيت الأوّل :
دع الحكومة لست من أهلها .
والصحيح :
فدعوا الحكومة لستم من أهلها
2ــ صدر البيت الثاني :
إن الحكومة في بني شيبان
والصحيح :
قتلوا كليبا برمح جارهم
والصحيح :
قتلوا كليباً بلقحة جارهم
واللقحة هي الناقة ، وهي البسوس التميميّة وهي من قبيلة جرير .
3ــ عجز البيت الثاني :
يا قوم كسرى لست بيهجان
والصحيح :
يا خزر تغلب لستم بهجان
والخزر : صغر العين ، والهجان : البيض الكرام .
7ــ أنّ الخبر الصحيح كما ساقة ابن سلّام الجمحي هو كما يلي :
قال ابن سلام الجمحي ( ت 231 هــ ) : قال أبو يحيى الضبّي اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند بشر بن مروان ، وكان يغرى بين الشعراء ، فقال للأخطل : احكم بين الفرزدق وجرير . قال أعفني أيها الأمير ! قال احكم بينهما ! فاستعفاه بجهده ، فأبي إلا أن يقول ، فقال : هذا حكم مشؤوم ! ثمَّ قال الفرزدق ينحت من صخر ، وجرير يغرف من بحر . فلم يرض جرير بذلك ، وكان سبب الهجاء بينهما فقال جرير في حكومته :
( طبقات فحول الشعراء ، محمد بن سلّام الجمحيّ ، قرأه وشرحه محمود محمد شاكر ، دار المدني ، جدّة ، المملكة العربية السعودية ، السفر الثاني ، ص 474 )

الحمد لله حمد الشاكرين الذاكرين على نعمة العقل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق