تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الأحد، يوليو 22، 2018

هجرة ذريّة هاني بن قبيصة الشيباني من بلاد الحيرة إلى رأس العين في الجزيرة الفراتية



الحيرة في العراق ورأس العين في سورية

من معاقل بني أبي ربيعة قوم هاني بن قبيصة الشيباني


الحيرة من أكبر معاقل نصارى العرب في العراق

كان ملكها عند فتح العراق النعمان بن المنذر

وكان هاني بن قبيصة الشيباني أمين الملك


تمسّك هاني بن قبيصة وقومه بالنصرانيّة 
فرفضوا الإسلام وأدَّوا الجزية للمسلمين


اختفى ذكر ذريّة هاني من الحيرة والكوفة 
وظهر في رأس العين في القرن الثاني للهجرة


تحضّر هاني بن قبيصة وقومه فكانوا من سكّان من الحيرة والكوفة ورأس العين


انتهى أمر بني شيبان وقومهم بكر بن وائل إلى التحضّر التامّ فلم تعد لهم بادية


الحقيقة الناصعة : لا صلة لقبيلة المساعيد الحجازيّة التي هاجرت من بلاد الحجاز 
من وادي الليث وبلاد مكّة ببني شيبان العراقيّة السوريّة 


قيل قديماً :

والدَّعاوى ما لَمْ يُقيموا عليها 
بيّنــــاتٌ أبنـــاؤها أدعيـــــــاءُ

من المعيب لأهل العلم أو لمن ينتسب إليهم تدوين ونقل الأوهام أو الأكاذيب ، دون التعليق عليها ، ودحضها وتفنيدها ، بل والتمسّك بها والدفاع عنها ، وكأنّها حقيقةٌ مسلّمة لا سيّما إن ثبت بطلانها بالبرهان الناصع والدليل القاطع ، فبعد تبيّن الحقيقة لا عذر لمن نقل هذا أو قال به للتمسّك بما ثبت بطلانه وزيفه وكذبه إلّا أن يكون قد أعماه الهوى فعميت بصيرته ، وإلّا فالحقّ أحقّ أن يُتّبع ، وأمّا من غلبه الهوى ، وأعماه الضلال ، فلا سبيل لإقناعه .

قال تعالى :

( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )

قال محمد سليمان الطيّب في حديثه عن قبيلة المساعيد : " : " وأكّد العارفون بتاريخ القبيلة من المساعيد في الديار المصرية أنّ أبناء هاني كانوا في شكل عشيرة من شيبان أو بكر ، وكان مقرّهم حتى أواخر القرن الخامس الهجري في الأحساء أو شرق نجد وجنوب غرب العراق " ، وقال : " وقد انفصم المساعيد من نسل هاني بن مسعود كعشيرة من شيبان وقد سكنوا شرق نجد بديار قبيلة مطير " ( [1]  ) ، وقال : " استقرّ المساعيد في شماليّ الحجاز إثر قدومهم من بلاد نجد ومعهم فرقة من عرب مطير " ( [2]  ) ، وقال : " كان المساعيد حين قدموا من شرقيّ نجد بلاد بني بكر بن وائل وقد انفصموا عن قومهم بنو شيبان من بكر ، وسكنوا بلاد مطير حقبة من الزمن ، رافقهم فرقة من مطير أثناء مسيرهم نحو شمال غرب الحجاز لبلاد مدين القديمة " ( [3]  ) ، وقال : " إنّ المساعيد حين قدموا من شرق نجد ... " ( [4]  ) .

وقد اغترَّ بهذا بعض من لم يتحقّق من صحّة هذه الدعوى التي اجترَّها بعض الجهلة وأصحاب الهوى رغم أنَّ هذه الدعوى وهي أنَّ المساعيد كانوا فرعاً من بني شيبان في شرقيّ نجد دعوى كاذبة لا أساس لها من الصحّة فلا برهانٌ لها ! ولا دليلٌ عليها ! ودون إثباتها خرط القتاد وهيها هيهات !!!
ورغم أنَّ منهج أهل العلم يقتضي من المؤلّف مراجعة وتدقيق ما سطّرته يداه عند إعادة طباعة كتابه إلّا أنّ محمد سليمان الطيّب منذ الطبعة التجريبية لكتابه عام 1992 م 1412 هــ ، ثمّ صدور الطبعة الأولى عام 1993 م ، وتكرّر طبعات الكتاب حتى آخر طبعة اطّلعت عليها وهي الصادرة عام 2001 م لم يتراجع عن هذا ، أو ينقده ويحقّق في صحّته .

ثمّ اطّلعت على نصٍّ جديد للطيّب ترك به القول بأنَّ المساعيد كانوا يقطنون شرق نجد إلى القول بأنّهم كانوا يقطنون غرب العراق في كتابه سكّان تبوك الصادر عام 2007 م ، قال الطيّب في حديثه عن قبيلة المساعيد : " كانت مساكنها حتى أواخر الدولة العبّاسيّة في غرب العراق ، ثمّ انتقلوا إلى بلاد نجد وانضمّ جزء منهم إلى عنزة ، ومن وادي الجرير حالفتهم فرقة من مطير ، وانتقلت معهم إلى شمال الحجاز " ( [5]  ) .

قلت : هذا الذي قاله الطيّب لم يسبقه إليه أحد وفيما يلي بيان ذلك :

1ــ انتهت الدولة العبّاسيّة بدخول المغول بغداد في شهر صفر حيث قتلوا الخليفة المستعصم بالله العبّاسيّ يوم الأربعاء 14 صفر عام 656 هــ الموافق 20 / شباط / 1258 م ، أي أنَّ أواخر الدولة العبّاسية كان في القرن السابع للهجرة .  

وفي ذلك الوقت كان فريق من قبيلة المساعيد يقطن منطقة المدينة المنوّرة ، ذكرهم الحمداني ( 602 ــ 700 هــ ) ، قال القلقشندي : " المساعيد بطن من عرب الحجاز ، ذكرهم الحمداني ولم ينسبهم في قبيلة " ( [6]  ) ، وقال ابن فضل الله العمري ( 700 ــ 749 هــ ) : " وأمّا بقيّة عرب الحجاز والمصارحة والمساعيد والرزّاق وآل عيسى ودغم وآل جناح والجبور فدارهم تتلو بعضها بعضا بالحجاز " ( [7]  ) .

قلت : المصارحة ، وأحياناً المضارجة تصحيف المفارجة ، والرزّاق تصحيف الزرّاق . 

وقال القلقشندي وقد أورد هذا النصّ : " تعرّض لشأن الدار دون بيان القبائل " ( [8]  ) .
قلت : معلومات ابن فضل الله العمري مستمدّة من الحمداني ( 602 ــ 700 هــ ) ، وفي النصّ الذي أورده ابن فضل الله العمري ما يفيد بأنَّ قبائل المفارجة والمساعيد والزرّاق وآل عيسى والدعم وآل جناح والجبور تتجاور ، وأنَّ ديار بعضها يتلو بعضها الآخر ، والمتأمّل لديار بعض هذه القبائل يجدها نجديّة الديار فهي قبائل تقطن بريّة الحجاز أي بريّة نجد ، فإذا ما علمنا أنّ الدعم وآل جناح والجبور فروع من قبيلة بني خالد التي بيّن ابن فضل الله العمري ديارها في بلاد نجد ( [9]  ) ، وكان لهم تواصلٌ قويٌّ مع المدينة ، ففي عام 717 هــ كاتب أمير المدينة الطفيل بن منصور بني خالد وعاهدهم ، قال ابن شدقم : " بنو خالد إخوان المدينة " ( [10]  ) .
وأنّ المفارجة من فروع بني لام التي تمتدّ ديارها في المنطقة بين المدينة المنوّرة والجبلين ، قال الجزيري : " عربان بني لام المفارجة " ( [11]  ) ، وقال ابن سعيد ( ت 685 هــ ) في ذكر بني لام : " منازلهم من المدينة إلى الجبلين ، وينزلون في أكثر أوقاتهم مدينة يثرب " ( [12]  ) ، وقال : " ولهم حلف مع بني الحسين أمراء المدينة " ( [13]  ) ، وقال : " مساكنهم المدينة النبوية وما حولها " ( [14]  ) .
وأنّ الزراق من قبائل منطقة المدينة المنوّرة ، ومن أخبارهم استنجاد أمير المدينة بهم عام 729 هــ ، قال السخاوي : " عساف بن متروك الزراق : استنجد به طفيل أمير المدينة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة
( [15]  ) ، وقال ابن فرحون في ذكر أحداث عام 729 هــ مع أمير المدينة طفيل بن منصور الحسيني : " استنجد طفيل بصالح بن حديثة من آل فضل ، وبعمر بن وهيبة من آل مرا ، وبعسّاف بن متروك الزراق ، فجاءوه في جموع عظيمة " ( [16]  ) ، وقاله ضامن بن شدقم ( [17]  ) .

وعليه فأنّه وفقا لترتيب ابن فضل الله العمري عن ديار هذه القبائل بأنَّ ديار بعضها يلي بعضاً فإنّ ديار المساعيد التي تجاور ديار المفارجة والزرّاق تقع في منطقة المدينة المنوّرة .

2ــ لم يكن لبني شيبان وجود في غرب العراق بل كانوا في شماليّ العراق في نواحي الموصل ، قال ابن خلدون : " بنو شيبان وكانت لهم كثرة في صدر الإسلام شرقي دجلة في جهات الموصل وأكثر أئمة الخوارج في ربيعة منهم " ( [18]  ) ، وكان جنوب وغرب بلاد العراق لقبائل عبادة وخفاجة من بني عقيل من هوازن ، قال ابن فضل الله العمري ( 700 ــ 749 هــ ) : " خفاجة وعبادة عرب بغداد والعراق ، وقال ابن عرّام : منازل عبادة من بغداد إلى الموصل ، وبمرج دمشق قوم من عبادة .
وخفاجة من هيت والأنبار إلى الحلّة إلى بئر ملاحا إلى الكوفة ، إلى قائم عنقاء ، والثّرثار إلى المثنّى دون البصرة ، وهو غاية مرماهم ونهاية بعدهم " ( [19]  ) .
وقد التقى السمعاني أبا أزيد الخفاجي في برية السماوة ، وقال في ذكر خفاجة : " وهم يسكنون بنواحي الكوفة ، وكان أبو أزيد يقول : يركب منّا على الخيل أكثر من ثلاثين ألف فارس سوى الركبان والمشاة . ولقيت منهم جماعة كثيرة وصحبتهم " ( [20]  ) ، وقال في ذكر عبادة : " عبادة حيٌّ من العرب كثير عددهم ، نزلوا على جانب من الفرات ، سمعت أبا أزيد الخفاجي في برية السماوة وقلت : أي العرب أكثر ؟ فقال : نحن أكثر خيلاً ، وعبادة أكثر جملاً ، وغزيّة أكثر رجلاً ، ثم قال : يكون في قبيلتنا خفاجة ستون ألف فارس " ( [21]  ) ، وقال : " قال لي أبو أزيد الخفاجي في بادية السماوة : نحن أكثر خيلاً وفرساناً ، وغزية أكثر عدداً ورجالاً ، وعبادة أكثر جمالاً وبعراناً .... وصحبني بدوي منهم يقال له طعان الغزوي وكان خفيراً لي منهم في بادية السماوة " ( [22]  )

وهذا يدلّ على أنّ غرب العراق كان لقبائل خفاجة وعبادة وغزية ولا وجود لبكر بن وائل عامّة وبنو شيبان خاصّة في تلك الديار منذ عهد بعيد ، فالسمعاني صاحب هذا النصّ الذي ذكر وجودهم في تلك الأنحاء من رجال القرن السادس للهجرة فهو مولود عام 506 هــ وتوفّي عام 562 هــ فكيف يزعم الطيّب أنَّ المساعيد وقومهم المزعومون بنو شيبان كانوا في غرب العراق حتى أواخر عهد الدولة العبّاسية التي أنهى التتار وجودها عام 656 هــ ؟!!!

3ــ القول بأنَّ جزءاً من المساعيد انضمّ إلى قبيلة عنزة كذبٌ لا أساس له من الصحّة وإلّا فأين هم الآن ؟ ومن هم  ؟

ويتّضح ممّا سبق أنَّ الطيّب أراد أن يُكحّلها فأعماها ! فاتّسع الخرق على الراقع !


مراحل هجرة بني شيبان من جزيرة العرب إلى رأس العين 
في الجزيرة الفراتية في سورية

كان بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ من أبرز فروع بني بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بين جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ، وكانوا يقطنون مع قومهم بكر بن وائل بلاد نجد بامتداد في بلاد العراق ، ثمّ آل بهم الأمر إلى الإستقرار  في بلاد العراق بامتداد إلى منطقة عُرفت بديار بكر في الجزيرة الفراتية ونواحيها في شمال العراق وشمال شرق سورية وجنوبي شرق تركيا ، ومن معاقلهم هناك بلدة رأس العين ، وفيما يلي بيان ذلك : 

1ــ استقرار بكر بن وائل في بلاد نجد بامتداد إلى هيت في العراق بعد حروبها مع تغلب.

قال الكلبيّ في ذكر حروب تغلب وبكر بن وائل : " ... فلم تزل الحروب والوقائع تنقلهم من بلد إلى بلد ، وتنفيهم من أرض إلى أرض ، وتغلب في كل ذلك ظاهرة على بكر ، حتى التقوا يوم قضة ، وقضة : عقبة في عارض اليمامة ، وعارض : جبل ، وقضة من اليمامة على ثلاث ليال ، وذلك يوم التحالق ، فكانت الدبرة لبكر على بنى تغلب فتفرقوا على ذلك اليوم وتلك الوقعة ، وتبددوا في البلاد ، أعنى بنى تغلب ، وانتشرت بكر بن وائل وعنزة وضبيعة باليمامة ، فيما بينها وبين البحرين ، إلى أطراف سواد العراق ومناظرها ، وناحية الأبلّة ، إلى هيت وما والاها من البلاد ، وانحازت النمر وغفيلة إلى أطراف الجزيرة وعانات وما دونها ، إلى بلاد بكر بن وائل وما خلفها من بلاد قضاعة ، من مشارق الأرض ، فقال الأخنس بن شهاب التغلبي ، وكان رئيسا شاعراً ، يذكر منازل القبائل : 

لكلّ أناس من مـــعدٍّ عمــــــارةٌ .....عروضٌ إليها يلجئون وجـــــانبُ 
لكيز لها البحرانِ والسيفُ كلّـه ..... وإن يغشها بأسٌ من الهند كاربُ 
تطاير على أعجاز حُوشٍ كأنّها ..... جهام أراق مــــــاءهُ فهـــــو آئبُ 
وبكرٌ لها برُّ العراقِ وإن تشـــأ ..... يحل دونها من اليمامة حـــــاجبُ 
وصارت تميم بين قفٍّ ورمــلةٍ ..... لها من حبالٍ منتأى وـــــــمذاهبُ 
وكلبٌ لها خبتٌ ورملة ُعالــــجٍ ..... إلى الحرّة الرجــلاءِ حيثُ تحاربُ 
وبهراءُ حيٌّ قد علمنا مكانــهم ..... لهم شَرَكٌ حـــــول الرُّصافة لاحبُ 
وغارت إيادٌ بالسواد ودونـــها ..... برازيـــقُ عُجْمٌ تبتغى من تضاربُ 
ونحن أناسٌ لا حجاز بأرضنــا ..... مع الغيثِ ما نُلقى ومن هو عازبُ ( [23]  )

ونقل الهمداني جزءاً من هذا النصّ فقال : " وديار بكر بن وائل من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحر فأطراف سواد العراق فالأبلَّة فهيت وديار تغلب الجزيرة بين بلد بكر وبلد قضاعة " ( [24]  ) ، وأورد شعر الأخنس ( [25]  ) ، وهذه الأبيات جزءٌ من قصيدة مفضّلية للأخنس أوردها ابن ميمون ( [26]  ) .

قلت : توفّي الأخنس بن شهاب التغلبي عام 70 قبل الهجرة ( [27]  ) نحو 555 م ، ويفيدنا هذا النصّ أنَّ بني بكر استوطنوا بلاد اليمامة وفيما بين اليمامة والبحرين ، إلى أطراف سواد العراق ومناظرها ، وناحية الأبلّة ، إلى هيت وما والاها من بلاد العراق ، وكان هذا في القرن الذي سبق الهجرة النبوية ، كما جاء في شعر الأخنس التغلبي المتوفّى عام 70 قبل الهجرة .

2ــ حروب تميم مع بكر بن وائل وسني القحط تخرج بكراً من جزيرة العرب .

كانت الحروب مستعرةً بين قبيلتي بني تميم وبني بكر بن وائل فآل الأمر ببني بكر بن وائل إلى الهجرة من جزيرة العرب إلى بلاد العراق ، قال الشاعر التميمي سلامة بن جندل :

سقنا ربيعة نحو الشام كارهةً ..... سوق البكار على رغمٍ وتأنيبِ
إذا أرادوا نـزولاً حثّ سيرهـمُ ..... دون النزول جلادٌ غيـر تذبيب ( [28]  )  

قلت : توفّي سَلَامَة بن جَنْدَل نحو 23 ق هــ نحو 600 م ، ممّا يعني أنَّ بكر بن وائل وقومهم ربيعة قد خرجوا من بلاد نجد قبل عام 23  قبل الهجرة .

ويبدو أن بدء هجرتهم كانت بسبب قحط أصاب بلاد ربيعة ، قال ابن أعثم : " إنَّ رَبِيعَةَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ وَغَيْرِهِمْ ، سَكَنُوا الْعِرَاقَ مِنْ قَحْطٍ أَصَابَهُمْ بِالتَّهَائِمِ وَالْحِجَازِ ، فَارْتَحَلَتْ رَبِيعَةُ إِلَى الْعِرَاقِ مِنَ الْقَحْطِ الَّذِي أَصَابَهُمْ ، فَأَتَتِ الْجَزِيرَةَ وَسَكَنَتِ الْيَمَامَةَ ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ شُعَرَائِهَا :

كَانَتْ تِهَامَةُ دَارَنَــــــــا حَتَّى إِذَا ..... أَزِمَتْ فَأَخْلَفْنَا بِهَا الأَمْـــــــطَارُ 
سِرْنَا إِلَى كَلأِ الْعِرَاقِ وَرِيفِــــــهِ ..... حَتَّى اسْتَقَرَّ بِنَا هُنَــــــاكَ قَرَارُ 
الْقَحْطُ سَارَ بِنَا وَخَيَّمَ غَيْرُنَــــــا ..... فِيهَا وَلَوْ شَاءَ الْمَسِيرَ لَسَارُوا 
سِرْنَا فَقَارَعْنَا الْمُلُوكَ فَقَصَّـرُوا ..... عَنَّا فَأَنْجَـــــدَ نُجَّدٌ وَأَغَــــــارُوا

قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَتْ رَبِيعَةُ الْعِرَاقَ ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ كِسْرَى مَلِكُ الْفُرْسِ فَدَعَاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ ، مَا الَّذِي أَقْدَمَكُمْ إِلَى بَلَدِي ، فَقَالُوا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، أَصَابَنَا فِي بَلَدِنَا قَحْطٌ وَجَهْدٌ ، فَرَغِبْنَا فِي مُجَاوَرَةِ الْمَلِكِ ، وَفَزِعْنَا إِلَى أَرْضِهِ وَالْكَيْنُونَةِ فِي كَنَفِهِ ، وَالاتِّصَالِ بِقُرْبِهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا أَقَمْنَا ، وَإِلا ارْتَحَلْنَا .

فَأَذِنَ لَهُمْ كِسْرَى فِي الْمُقَامِ عَلَى أَنَّهُمْ لا يُفْسِدُونَ ، وَأَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ لَهُ الْجِوَارَ ، فَضَمِنُوا لَهُ ذَلِكَ .

قَالَ : فَنَزَلَ بَنُو شَيْبَانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رَبِيعَةَ أَرْضَ الْعِرَاقِ ، فَكَانُوا لا يُؤْذُونَ أَحَدًا مِنَ الْفُرْسِ ، وَكَذَلِكَ الْفُرْسُ لَمْ يَكُونُوا يُؤْذُونَ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقِيمُوا " ( [29]  ) .

3ــ بنو أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بين ذي قار والحيرة إلى رأس العين .

حينما استقرّت قبيلة بكر بن وائل في بلاد العراق انتشرت فروعها في مختلف الأنحاء التي نزلتها في برّ العراق من نواحي ذي قار إلى نواحي الحيرة على نحو 260 كم شمال غرب ذي قار ، وتقع الحيرة على نحو 7 كم  جنوب شرق الكوفة والنجف إلى رأس العين في شمال شرق سورية على الحدود السورية التركيّة ، وكان هذا الانتشار والاستقرار قد تمّ في العهد الجاهليّ قبل الإسلام . 

ومن أخبارهم في ذي قار ما ذكره البلاذري قال : " كان حُصين أحد بني عامر بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل اشترى من عتيبة فرسًا فلم يُعطه ثمنه ، وجاوره فأكرمه عتيبة ، فلم يَرْعَ ذلك ، فبلغه أن حصينًا بذي قار فِي جماعة من قومه ، فغزاهم فِي بني يربوع ، وعليهم جَزْء بْن سعد ، فأخذ منه ألف ناقة ، وأخذ أيضًا عتيبة ابنته فدفعها إِلَى ابنه الحُلَيس " ( [30]  ) .

ومن ديارهم الحنو وهو حنو ذي قار ، ففي يوم العظالى وهو يوم الغبيط ويوم الهضبة نصح بسطام بن قيس الشيباني قومه بشأن غزوة على بني يربوع فلم يأخذوا برأيه فهُزموا وأسر هاني بن قبيصة وقتل مفروق وغيره من فرسانهم فقال الشاعر :

ولو أنّ بسطاماً أطيع برأيـــه ..... لأدّى إلى الأحياءِ بالحِنوِ مغنما ( [31]  )

وكان معقل بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان الرئيس في رأس العين ، ومن أخبارهم هناك في الجاهليّة أنَّ بني يربوع من بني تميم أغاروا على بني أبي ربيعة قوم هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود في معقلهم في رأس العين . قال ابن عبد ربّه والنويري : " يوم رأس العين : لبني يربوع على بكر . أغارت طوائف من بني يربوع على بني أبي ربيعة برأس العين ، فاطّردوا النعم فاتبعهم معاوية بن فراس في بني أبي ربيعة ، فأدركوهم ، فقتل معاوية بن فراس وفاتوا بالإبل ، وقال سحيم في ذلك :

أليس الأكرمون بنو ريـــــــاحٍ ..... نموني منهم عمّي وخــــــــــالي
هم قتلوا المجبّه وابن تيـــــــم ..... تنوح عليهما سود اللّيــــــــــالي
وهم قتلوا عميد بني فــــراس ..... برأس العين في الحجج الخوالي 
وذادوا يوم طخفة عن حماهم ..... ذياد غرائب الإبل النّهــــــــــــــالِ ( [32]  )  

قال البلاذريّ : " مُعَاوِيَة بْن فراس رئيس بني أَبِي ربيعة " ( [33]  ) .

وقال أبو عبيد البكريّ : " رأس العين على لفظ عين الماء ... وهو موضع فى ديار بنى أبى ربيعة بن ذهل ابن شيبان . وهو كورة من كور ديار ربيعة ، وهى كلّها بين الحيرة والشام ، وفيه أغارت بنو رياح بن يربوع عليهم ، وقتلوا منهم معاوية بن فراس ، وسبقوا بالإبل . ففى ذلك يقول سحيم بن وثيل الرّياحىّ :

هم قتلوا عميـــــــد بنى فراس ..... برأس العين فى الحجج الخوالي
وذادوا يوم طخفة عن حماهم ..... ذياد غرائــــب النّـــــعم النّهـــــالِ

ومن رأس العين هذا يخرج نهر الخابور . وهى كلّها من بلاد الجزيرة ، وهى ديار مضر " ( [34]  ) .

وقال ياقوت الحموي : " رَأسُ عَيْنٍ : ويقال رأس العين ... وجاء في شعر لهم قديم قاله بعض العرب في يوم كان برأس العين بين تميم وبكر بن وائل، قتل فيه فارس بكر بن وائل معاوية بن فراس ، قتله أبو كابة جزء بن سعد ، فقال شاعرهم :

هم قتلوا عميـــد بنــــي فراس ..... برأس العين في الحجج الخوالي ( [35]  )

قلت : أغار بنو يربوع من بني تميم على بني أبي ربيعة من بني شيبان في معقلهم في رأس العين فاستاقوا الإبل ، وقتلوا معاوية بن فراس رئيس بني أبي ربيعة ، وفارس بكر بن وائل . قتله أبو كابة جزء بن سعد الرياحيّ اليربوعيّ التميميّ ، وهو من رجال العهد الجاهليّ قبل الإسلام . قال ابن دريد في ذكر جزء بن سعد : "  جَزْء بن سعد ، كان عظيمَ القدر في الجاهليّة ، وقد أخذَ المرباع ، وقاد بني يربوع كلَّها ، ولم يَقُدْها أحدٌ قبلَه ولا بَعده " ( [36]  ) ، كما أنَّ الشاعر الذي ذكر يوم رأس العين ، وهو سحيم بن وثيل الرياحي اليربوعيّ التميمي  عاش في الجاهليّة 40 عاماً ، وتوفّي نحو عام 60 هــ ، قال ابن دريد : " سُحَيم بن وَثيلٍ الشاعر ، عاشَ في الجاهلية أربعين سنة وفي الإسلام ستّين سنة " ( [37]  ) .

وعند فتح العراق كان هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود قد استقرّ في الحيرة كما سيأتي بيانه . 

4ــ موقف بني أبي ربيعة بزعامة هاني بن قبيصة الشيباني من الإسلام .

حينما بدأ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عرض نفسه على القبائل العربيّة في مواسم الحجّ ، فكان التقي ببني شيبان الذين قدموا من بلاد العراق في موسم السنة العاشرة للبعثة الموافقة لعام 619 م ، وعرض عليهم الإسلام إلّا أنّهم أبوا ، وفضّلوا التمسّك بدينهم النصراني ، قال السمعاني فيما رواه بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصّة لقاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببني شيبان يوم كان يلتقي بقبائل العرب ويعرض عليهم الإسلام  : " ... وفيهم مفروق بن عمرو وهاني بن قبيصة والمثنّى بن حارثة والنعمان بن شريك " ( [38]  ) .

وكان هاني بن قبيصة الرئيس الديني لبني شيبان ــ أي صاحب دينهم ــ وشيخهم ، قال السمعاني في ذكر الخبر في ذكر قول مفروق بن عمرو الشيباني : " ... وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا فقال هاني : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى إن تركنا ديننا واتّبعناك على دينك لمجلس جلسته إلينا له أوّل وآخر أنّه زللٌ في الرأي ، وقلة نظرٍ في العاقبة ، وإنّما تكون الزلّة مع العجلة ، ومن ورائنا قومٌ نكره أن نعقد عليهم عقداً ، ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر ، وكأنّه أحبّ ان يشركه المثنّى بن حارثة فقال : وهذا المثنّى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا ... " ( [39]  ) .

وهي قصّة مشهورة ذكرها كثيرٌ من أهل العلم منهم الحاكم والبيهقي وأبو نعيم وقاسم بن ثابت ( [40]  ) .

قلت : كان هؤلاء الأربعة من زعماء قبيلة بني شيبان وهما رجلان من بني مرّة بن ذهل بن شيبان ، ورجلان من إخوانهم بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ، وفيما يلي بيان أنسابهم :

1ــ المثنّى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرّة بن ذهل بن شيبان .  
2ــ مفروق بن عمرو بن قيس بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان .
3ــ النعمان بن شَرِيك بن عَمْرو بن قَيْس بن شراحيل بن مرّة بن ذهل بن شيبان .  
4ــ هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان .

وقد أسلم منهم رجلان هما المثنّى والنعمان وهما من بني مرّة ، وكان للمثنّى دورٌ جليل في فتوح العراق ،  وأمّا النعمان فقد ثبت إسلامه ، قال ابن حجر : " النعمان بن شريك‌ الشيبانيّ‌ .... جزم الذّهبي في التجريد بأنّ له وفادة . وأمّا أبو نعيم فأثبت الصّحبة للنّعمان ، و نفاها عن مفروق " ( [41]  ) .

فيما بقي رجلان منهم على ديانتهم النصرانية وهما مفروق وهاني وهما من بني أبي ربيعة .
أمّا مَفْرُوق بن عَمْرو فتوفّي نحو سنة 8 هــ  نحو 630 م ( [42]  ) ، وكان مقتله في يوم العظالى ، وهو يوم بين بني تميم وبين بكر بن وائل ، قال ابن عبد ربّه : " .... فكانت الدائرة على بني بكر ، قتل منهم : مفروق بن عمرو ، فدفن بثنيّة يُقال لها ثنيّة مفروق ، والمقاعس الشيباني ، وزهير بن الحزوّر الشيباني ، وعمرو بن الحزوّر الشيباني ... " ( [43]  ) .
قال أبو نعيم الأصبهاني : " لا أعرف لمفروقٍ إسلاماً " ( [44]  ) .
وأمّا هاني فحاله كحال مفروق أدرك الإسلام ولم يُسلم . قال ابن دريد في ذكر بني شيبان : " منهم : هاني بن قَبِيصَة ، كان شريفاً عظيمَ القَدْر ، وكان نَصرانيّاً وأدركَ الإسلامَ فلم يُسلِم . ومات بالكوفة " ( [45]  ) ، وكان هاني بن قبيصة الشيباني أمين ملك الحيرة النصراني ، قال ابن رشيق القيرواني : " هاني بن قبيصة أمين النعمان بن المنذر " ( [46]  )
وكان زعماء بني شيبان يدينون بالنصرانية ، قال ابن عبد البرّ : " إنَّ من العرب جماعة دانوا بدين أهل الكتاب من قبل الإسلام ، فكانت النصرانية في ربيعة بن نزار في بني تغلب ، والنمر بن قاسط ، وبني عجل ، وخواصّ من بني شيبان " ( [47]  ) ، ومن أبرز زعمائهم النصارى بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان ، قال أبو عبيدة معمّر بن المثنّى والبلاذري : " كان نصرانيّاً " ( [48]  ) ، وقال الحافظ ابن حجر : "  قتل بسطام والنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله و سلّم بمكّة ، وكان نصرانياً " ( [49]  ) .
وقد ظلّ بعض بني أبي ربيعة على النصرانيّة حتى العهد الأموي ، ومنهم شاعرهم النابغة الشيباني ، وهو عبد الله بن المخارق ، قال الزبيدي : " عَبْدُ اللهِ بن المُخارِقِ بنِ سُلَيمِ بنِ حَصِيرَةَ بنِ قَيْسِ بنِ شَيْبَانَ بنِ حِمارِ بنِ حارِثَةَ بنِ عَمْرو بنِ أبي رَبِيعَةَ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ الشَّيْبَانِيُّ " ( [50]  ) ، وقال ابن عساكر : " عن أبي نصر الحافظ قال : وأمّا حِمار بكسر الحاء مهملة وفتح الميم وتخفيفها آخره راء نابغة بني شيبان ، وهو عبد الله بن المخارق بن سليمان بن حصيرة بن مالك بن قيس بن شيبان بن حمار بن حارثة بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة " ( [51]  ) .
قال أبو الفرج الأصفهاني : " كان فيما أرى نصرانيّا لأنّي وجدته في شعره يحلف بالإنجيل والرّهبان وبالأيمان التي يحلف بها النّصارى" ( [52]  ) ، وكان النابغة قال قصيدة خاطب بها عبد الملك بن مروان حينما أراد خلع أخيه عبد العزيز ، قال أبو الفرج : " ... وبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز ، فقال : لقد أدخل ابن النّصرانيّة نفسه مدخلاً ضيّقا فأوردها مورداً خطراً ؛ وباللّه عليّ لئن ظفرت به لأخضبنّ قدمه بدمه "( [53]  ) ، وقال الصفدي : " نَابِغَة بني شَيبَان عبد الله بن الْمخَارِق قيل إِنَّه كَانَ نَصْرَانِيّا " ( [54]  ) .

قلت : هذا كان قبل إسلامه ، قال ابن عساكر : " هو إسلامي كثير الشعر " ( [55]  ) .  
بل إنَّ بعضهم بقي على النصرانية إلى عهد متأخّر ومنهم الشاعر ابن قابوس الشيباني الحيريّ نسبةً إلى الحيرة ، وكان في عهد هارون الرشيد المتوفّى عام 193 هــ ، قال ابن رشيق القيرواني : " كان أبو قابوس الشاعر رجلاً نصرانيّاً من أهل الحيرة منقطعاً إلى البرامكة " ( [56]  ) ، وقال ابن النديم في ذكر شعره : " ابن قابوس الشيباني ، مائة ورقة " ( [57]  ) ، وقال لويس شيخو : " ... وجاء في مخطوط آخر وهو كتاب الكواكب السنية في شرح القصيدة المقرية للأدهمي ( Ms de Paris 1534 , pp : 100  ) أنّه كان حيريّاً ، وقد تصحّف هذا النسب في تحفة المجالس للسيوطي ( ص 175 ) فسمّاه أبا قابوس الحميري ، وكان ينتمي إلى بني شيبان " ( [58]  ) .

قلت : يفيدنا ما جاء عن أبي قابوس الشيباني أنّ بني شيبان كانوا من سكّان الحيرة في القرن الثاني للهجرة وأن بعضهم كان لا يزال يدين بالنصرانيّة .

ويتبيّن لنا مما سبق بيانه أنَّ بني بكر بن وائل غادروا جزيرة العرب ، وهاجروا إلى بلاد العراق قبل الإسلام في العهد الجاهليّ ، ولم يبق منهم قبيلة في الجزيرة العربيّة ، وقد استقرّ بنو أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان منذ الجاهليّة في رأس العين في الجزيرة الفراتيّة بقرب الحدود السوريّة التركيّة في زماننا هذا ، وكان قسمٌ منهم في ذي قار وبلدة الحيرة ، ومن هؤلاء هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني ، وقد تنصّروا كغيرهم من بني شيبان ، وقد بقي بعضهم على النصرانيّة مع ظهور الإسلام ، ومات على ذلك كما سيأتي بيانه .

5ــ هاني بن قبيصة الشيباني وقومه يؤدّون الجزية .

في السنة الثانية عشرة توالت فتوح خالد بن الوليد رضي الله عنه في بلاد العراق ، ومن بينها فتح الحيرة ، قال البلاذري : " أقبل خَالِد إِلَى مجتمع الأنهار فلقيه أراذبة صاحب مسالح كسرى فيما بينه وبين العرب ، فقاتله المسلمون وهزموه ، ثُمَّ نزل خَالِد خفان ، ويقال : بل سار قاصداً إِلَى الحيرة ، فخرج إليه عَبْد المسيح بْن عُمَر بْن قيس بْن حيان ابن بقيلة ، واسم بقيلة الحارث وهو منَ الأزد ، وهانئ بْن قبيصة بْن مَسْعُود الشيباني وإياس بْن قبيصة الطائي ، ويقال فروة بْن إياس ، وكان إياس عامل كسرى أبرويز عَلَى الحيرة بعد النعمان بْن المنذر ، فصالحوه عَلَى مائة ألف درهم ، ويُقال عَلَى ثمانين ألف درهم في كلّ عام ، وعلى أن يكونوا عيوناً للمسلمين عَلَى أهل فارس ، وأن لا يهدم لهم بيعةً ولا قصراً ، وروى أَبُو مخنف عن أَبِي المثنى الوليد بْن القطامي وهو الشرقي بْن القطامي الكلبي : أن عَبْد المسيح استقبل خالداً وكان كبير السنّ ، فقال له خَالِد : من أين أقصى أثرك يا شيخ ، فقال : من ظهر أَبِي ، قَالَ : فمن أين خرجت ، قَالَ : من بطن أمي ، قَالَ : ويحك في أي شيء أنت ، قَالَ : في ثيابي ، قَالَ : ويحك عَلَى أي شيء أنت ، قَالَ : عَلَى الأرض ، قَالَ : أتعقل قَالَ : نعم وأقيد ، قَالَ : ويحك إنما أكلمك بكلام الناس ، قَالَ : وأنا إنما أجيبك جواب الناس ، قَالَ أسلمٌ أنت أم حرب ؟ قَالَ : بل سلم ، قَالَ : فما هَذِهِ الحصون ، قَالَ : بنيناها للسفيه حَتَّى يجيء الحليم ، ثُمَّ تذاكرا الصلح فاصطلحا عَلَى مائة ألفٍ يؤدّونها في كلّ سنة ، فكان الَّذِي أخذ منهم أوّل مالٍ حُمل إِلَى المدينة من العراق ، واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة ، وأن يكونوا عيوناً عَلَى أهل فارس وذلك في سنة اثنتي عشرة " ( [59]  ) .

وقال الطبري : " ثُمَّ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَشْرَافُهُمْ مَعَ قَبِيصَةَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ حَيَّةَ الطَّائِيِّ ، وَكَانَ أَمَّرَهُ عليها كسرى بعد النعمان ابن الْمُنْذِرِ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ وَلأَصْحَابِهِ : أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَبْتُمْ إِلَيْهِ فَأَنْتُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، لَكُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكُمْ مَا عليهم ، فان أبيتم فالجزية ، فَإِنْ أَبَيْتُمُ الْجِزْيَةَ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِأَقْوَامٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ ، جَاهَدْنَاكُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ .

فَقَالَ لَهُ قَبِيصَةُ بْنُ إِيَاسٍ : مَا لَنَا بِحَرْبِكَ مِنْ حَاجَةٍ ، بَلْ نُقِيمُ عَلَى دِينِنَا ، وَنُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَتْ أَوَّلُ جزيةٍ وقعت بالعراق " ( [60]  ) .

قلت : قوله قبيصة بن إياس سبق قلم والصحيح أنّه إياس بن قبيصة كما ذكره المؤرّخون وهو ما جاء في كتاب عهد خالد الذي أورده الطبري الآتي ذكره .

وقال الطبري : " وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَسِيرُ ، فَعَرَضَ لَهُ جَابَانُ صَاحِبُ أُلَيْسَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ ، وَقَتَلَ جُلَّ أَصْحَابِهِ ، إِلَى جَانِبِ نَهْرٍ ثَمَّ يُدْعَى نَهْرَ دَمٍ لِتِلْكَ الْوَقْعَةِ ، وَصَالَحَ أَهْلَ أُلَيْسَ ، وَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْحِيرَةِ ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ خُيُولُ آزَاذْبَهْ صَاحِبِ خَيْلِ كِسْرَى الَّتِي كَانَتْ فِي مَسَالِحِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِ ، فَلَقُوهُمْ بِمُجْتَمَعِ الأَنْهَارِ ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ، وَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ خَرَجُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ ، فِيهِمْ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بُقَيْلَةَ وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ ، فَقَالَ خَالِدٌ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ : مِنْ أَيْنَ أَثَرُكَ ؟ قَالَ : مِنْ ظَهْرِ أَبِي ، قَالَ : مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ ؟ قَالَ : مِنْ بَطْنِ أُمِّي ، قَالَ : وَيْحَكَ ! عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : عَلَى الأَرْضِ ، قَالَ : وَيْلَكَ ! فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : فِي ثِيَابِي ، قَالَ : وَيْحَكَ ! تَعَقِلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ وأقيد ، قَالَ : إِنَّمَا أَسْأَلُكَ ، قَالَ : وَأَنَا أُجِيبُكَ ، قَالَ : أَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ ؟ قَالَ : بَلْ سِلْمٌ ، قَالَ : فَمَا هَذِهِ الْحُصُونُ الَّتِي أَرَى ؟ قَالَ : بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ نَحْبِسُهُ حَتَّى يَجِيءَ الْحَلِيمُ فَيَنْهَاهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ :إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَإِلَى الإِسْلامِ ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةِ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ شُرْبَ الْخَمْرِ فَقَالُوا : لا حَاجَةَ لَنَا فِي حَرْبِكَ ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلُ جِزْيَةٍ حُمِلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْعِرَاقِ " ( [61]  ) .
وقال : " فَقَدِمَ خَالِدٌ الْخَوَرْنَقَ ، وَقَدْ قَطَعَ الآزَاذبَةَ الْفُرَاتَ هَارِبًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ ، وَإِنَّمَا حَدَاهُ عَلَى الْهَرَبِ أَنَّ الْخَبَرَ وَقَعَ إِلَيْهِ بِمَوْتِ أَرْدَشِيرَ وَمُصَابِ ابْنِهِ ، وَكَانَ عَسْكَرُهُ بَيْنَ الْغَرِيَّيْنِ وَالْقَصْرِ الأَبْيَضِ ، وَلَمَّا تَتَامَّ أَصْحَابُ خَالِدٍ إِلَيْهِ بِالْخَوَرْنَقِ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ حَتَّى يُعَسْكِرَ بِمَوْضِعِ عَسْكَرِ الآزَاذبَةَ بَيْنَ الْغَرِيَّيْنِ وَالْقَصْرِ الأَبْيَضِ ، وَأَهْلِ الْحِيرَةِ مُتَحَصِّنُونَ ، فَأَدْخَلَ خَالِدٌ الْحِيرَةَ الْخَيْلَ مِنْ عَسْكَرِهِ ، وَأَمَّرَ بِكُلِّ قَصْرٍ رَجُلاً مِنْ قُوَّادِهِ يُحَاصِرُ أَهْلَهُ وَيُقَاتِلُهُمْ ، فَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ مُحَاصِرًا الْقَصْرَ الأَبْيَضَ ، وَفِيهِ إِيَاسُ بْنُ قُبَيْصَةَ الطَّائِيُّ ، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَاصِرًا قَصْرَ الْعَدْسِيِّينَ وَفِيهِ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْمَقْتُولُ ، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ عَاشِرَ عَشَرَةِ إِخْوَة لَهُ مُحَاصِراً قَصْرَ بَنِي مَازِنٍ ، وَفِيهِ ابْنُ أَكَّالٍ ، وَكَانَ الْمُثَنَّى مُحَاصِراً قَصْرَ ابْنِ بقيله وفيه عمرو بن عَبْدِ الْمَسِيحِ ، فَدَعَوْهُمْ جَمِيعًا ، وَأَجلُوهُمْ يَوْمًا ، فَأَبَى أَهْلُ الْحِيرَةِ وَلَجُّوا ، فَنَاوَشَهُمُ الْمُسْلِمُونَ " ( [62]  ) .
وقال : " عَهَدَ خَالِدٌ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ يَبْدَأوا بِالدُّعَاءِ ، فَإِنْ قَبِلُوا قَبِلُوا مِنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُؤَجِّلُوهُمْ يَوْمًا ، وَقَالَ : لا تُمَكِّنُوا عَدُوَّكُمْ مِنْ آذَانِكُمْ، فَيَتَرَبَّصُوا بِكُمُ الدَّوَائِرَ ، وَلَكِنْ نَاجِزُوهُمْ ولا تردّدوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ قِتَالِ عَدُوِّهِمْ فَكَانَ أَوَّلُ الْقُوَّاد أَنْشَبَ الْقِتَالَ بَعْدَ يَوْمٍ أَجَّلُوهُمْ فِيهِ ضِرَارَ بْنَ الأَزْوَرِ ، وَكَانَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْقَصْرِ الأَبْيَضِ ، فَأَصْبَحُوا وَهُمْ مُشْرِفُونَ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثٍ : الإِسْلامِ ، أَوِ الْجَزَاءِ ، أَوِ الْمُنَابَذَةِ ، فَاخْتَارُوا الْمُنَابَذَةَ وَتَنَادَوْا : عَلَيْكُمُ الْخَزَازِيفُ ، فَقَالَ ضِرَارٌ : تَنَحَّوْا لا يَنَالُكُمُ الرَّمْيُ ، حَتَّى نَنْظُرَ فِي الَّذِي هَتَفُوا بِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ امْتَلأَ رَأْسُ الْقَصْرِ مِنْ رِجَالٍ مُتَعَلِّقِي الْمَخَالِي ، يَرْمُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْخَزَازِيفِ ــ وَهِيَ الْمَدَاحِي مِنَ الْخَزَفُ ــ فَقَالَ ضِرَارٌ : ارْشقُوهُمْ ، فَدَنَوْا مِنْهُمْ فَرَشَقَوُهُمْ بِالنَّبْلِ ، فَأَعْرَوْا رُءُوسَ الْحِيطَانِ ، ثُمَّ بَثُّوا غَارَتَهُمْ فِيمَنْ يَلِيهِمْ ، وَصَبَحَ أَمِيرُ كُلِّ قَوْمٍ أَصْحَابَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَافْتَتَحُوا الدُّورَ وَالدِّيرَاتِ ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ ، فَنَادَى الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ : يَا أَهْلَ الْقُصُورِ ، مَا يَقْتُلُنَا غَيْرُكُمْ فَنَادَى أَهْلُ الْقُصُورِ : يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ ، قَدْ قَبِلْنَا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ ، فَادْعُوا بِنَا وَكُفُّوا عَنَّا حَتَّى تُبَلِّغُونَا خَالِدًا ، فَخَرَجَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ وَأَخُوهُ إِلَى ضِرَارِ بْنِ الأَزْوَرِ ، وَخَرَجَ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ عَدِيٍّ إِلَى ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ ــ وَعَدِيٌّ الأَوْسَطُ الَّذِي رَثَتْهُ أُمُّهُ وَقُتِلَ يَوْمَ ذِي قَارٍ ــ وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ وَابْنُ أَكَّالٍ ، هَذَا إِلَى ضِرَارِ بْنِ مُقَرِّنٍ ، وَهَذَا إِلَى الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ ، فَأَرْسَلُوهُمْ إِلَى خَالِدٍ وَهُمْ عَلَى مَوَاقِفِهِمْ " ( [63]  ) .
وقال : " كَانَ أَوَّلُ مَنْ طَلَبَ الصُّلْحَ عَمْرَو بْنَ عبد المسيح ابن قَيْسِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ بُقَيْلَةُ ــ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بُقَيْلَةَ لأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ ، فَقَالُوا : يَا حَارِ مَا أَنْتَ إِلا بُقَيْلَةٌ خَضْرَاءُ ، وَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَهُمُ الرُّؤَسَاءُ إِلَى خَالِدٍ ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثِقَةٌ ، لِيُصَالِحَ عَلَيْهِ أَهْلَ الْحِصْنِ ، فَخَلا خَالِدٌ بِأَهْلِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْهُمْ دُونَ الآخَرِينَ ، وَبَدَأَ بِأَصْحَابِ عَدِيٍّ ، وَقَالَ : وَيْحَكُمْ ! مَا أَنْتُمْ ! أَعَرَبٌ ؟ فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ الْعَرَبِ ! أَوْ عَجَمٌ ؟ فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ الإِنْصَافِ وَالْعَدْلِ ! فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ : بَلْ عَرَبٌ عَارِبَةٌ وَأُخْرَى مُتَعَرِّبَةٌ ، فَقَالَ : لَوْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ تُحَادُّونَا وَتَكْرَهُوا أَمْرَنَا ، فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ : لِيَدُلُّكَ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا لِسَانٌ إِلا بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَقَالَ : صَدَقْتَ وَقَالَ : اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ : أَنْ تَدْخُلُوا فِي دِينِنَا فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا إِنْ نَهَضْتُمْ وَهَاجَرْتُمْ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فِي دِيَارِكُمْ ، أَوِ الْجِزْيَةَ ، أَوِ الْمُنَابَذَةَ وَالْمُنَاجَزَةَ ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَتَيْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ عَلَى الْمَوْتِ أَحْرَصُ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ فَقَالَ : بَلْ نُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ ، فَقَالَ خَالِدٌ : تَبًّا لَكُمْ ، وَيْحَكُمْ ! إِنَّ الْكُفْرَ فَلاةٌ مُضِلَّةٌ ، فَأَحْمَقُ الْعَرَبِ مَنْ سَلَكَهَا فَلَقِيَهُ دَلِيلانِ : أَحَدُهُمَا عَرَبِيٌّ فَتَرَكَهُ وَاسْتَدَلَّ الأَعْجَمِيَّ .
فَصَالَحُوهُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَتِسْعِينَ أَلْفًا ، وَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَأَهْدُوا لَهُ هَدَايَا ، وَبَعَثَ بِالْفَتْحِ وَالْهَدَايَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ الْهُذَيْلِ الْكَاهِلِيِّ ، فَقَبِلَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْجَزَاءِ ، وَكَتبَ إِلَى خَالِدٍ أَنِ احْسِبْ لَهُمْ هَدِيَّتَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ ، إِلا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَزَاءِ ، وَخُذْ بَقِيَّةَ مَا عَلَيْهِمْ فَقُوِّ بِهَا أَصْحَابَكَ وَقَالَ ابْنُ بُقَيْلَةَ :

أبعد المنذريـــن أرى سوامـــــاً ..... تروح بالخورنق والسديـــــــرِ
وبعد فوارس النعمان أرعــــــى ..... قلوصاً بين مرّة والحفيــــــــرِ
فصرنا بعد هلك أبـــــي قبيـــسٍ ..... كجرب المعزِ في اليومِ المطيرِ
تقســـــمنا القبـــائل من مـــــعد ..... علانية كأيســـــــار الجــــزورِ
وكنّــــــا لا يُـــرام لنـــا حريـــمٌ ..... فنحن كضرّة الضــرع الفخـورِ
نؤدّي الخرج بعد خراجِ كسرى ..... وخرجِ من قريظة والنضيـــــرِ
كذاك الدهرُ دولتــــهُ سجــــــالٌ ..... فيومٌ من مساءهِ أو ســـــــرورِ ( [64]  )

وقال : " وَكَتَبَ خَالِدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَدِيًّا وَعَمْرًا ابْنَيْ عَدِيٍّ ، وَعَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ وَإِيَاسَ بْنِ قَبِيصَةَ وَحيريَّ بْنِ أَكَّالٍ ــ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : جبرى ــ وَهُمْ نُقَبَاءُ أَهْلِ الْحِيرَةِ ، وَرَضِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ ، وَأَمَرُوهُمْ بِهِ ــ عَاهَدَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، تُقْبَلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَزَاءً عَنْ أَيْدِيهِمْ فِي الدُّنْيَا ، رُهْبَانِهِمْ وَقِسِّيسِهِمْ ، إِلا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِ ذِي يَدٍ ، حَبِيساً عَنِ الدُّنْيَا ، تَارِكًا لَهَا ــ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : إِلّا مَنْ كَانَ غَيْرَ ذِي يَدٍ حَبِيساً عَنِ الدُّنْيَا ، تَارِكًا لَهَا ــ أَوْ سَائِحاً تَارِكاً لِلدُّنْيَا ، وَعَلَى الْمَنْعَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَمْنَعَهُمْ ، وَإِنْ غَدَرُوا بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ فَالذِّمَّةُ مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ وَكَتَبَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ .

فَلَمَّا كَفَرَ أَهْلُ السَّوَادِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ اسْتَخَفُّوا بِالْكِتَابِ ، وَضَيَّعُوهُ ، وَكَفَرُوا فِيمَنْ كَفَرَ ، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ فَارِسَ ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الْمُثَنَّى ثَانِيَةً ، أَدْلَوا بِذَلِكَ ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَيْهِ ، وَعَادَ بِشَرْطٍ آخَرَ ، فَلَمَّا غَلَبَ الْمُثَنَّى عَلَى الْبِلادِ كَفَرُوا وَأَعَانُوا وَاسْتَخَفُّوا وَأَضَاعُوا الْكِتَابَ فَلَمَّا افْتَتَحَهَا سَعْدٌ ، وَأَدْلَوا بِذَلِكَ سَأَلَهُمْ وَاحِداً مِنَ الشَّرْطَيْنِ ، فَلَمْ يَجِيئُوا بِهِمَا ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ وَتَحَرَّى مَا يَرَى أَنَّهُمْ مطيقون ، فوضع عليهم أربعمائة أَلْفٍ سِوَى الْحَرَزةِ ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : سِوَى الْخرزةِ " ( [65]  ) .

وقال ابن الجوزي في ذكر فتح الحيرة : " ولمّا رأى ذلك أهل الحيرة خرجوا يستقبلونه ، فيهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة ، وهاني بن قبيصة .... " ( [66]  ) .   
وقال : " أقبل خالد بن الوليد بمن معه حتى نزل الحيرة ، فخرج إليه أشرافهم فيهم قبيصة بن إياس الطائي ، وكان أمّره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر ..... فقال له قبيصة : ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية ... " ( [67]  ) .  

قلت : قوله قبيصة بن إياس سبق قلم وإلّا فهو إياس بن قبيصة الطائي كما مرّ في كتاب عهد خالد بن الوليد رضي الله عنه .

قلت : كان فتح الحيرة في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة .

وروى البيهقيّ بسنده عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، فِي قِصَّةِ وُرُودِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مِنْ جِهَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْحِيرَةَ وَمُحَاوَرَةِ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ إِيَّاهُ فَقَالَ خَالِدٌ : أَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ تَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، وَتُقِرُّوا بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ لَكُمْ مِثْلَ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكُمْ مِثْلَ مَا عَلَيْهِمْ . فَقَالَ هَانِئٌ : وَإِنْ لَمْ أَشَأْ ذَلِكَ فَمَهْ ؟ قَالَ : فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ أَدَّيْتُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ . قَالَ : فَإِنْ أَبَيْنَا ذَلِكَ ؟ قَالَ : فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ وَطِئْتُكُمْ بِقَوْمٍ الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَيَاةِ إِلَيْكُمْ . فَقَالَ هَانِئٌ : أَجِّلْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ فَنَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا . قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ . فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ غَدَا هَانِئٌ فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ أَمْرُنَا عَلَى أَنْ نُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ فَهَلُمَّ فَلْأُصَالِحْكَ . فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ تَكُونُ الْجِزْيَةُ وَالذُّلُّ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْقِتَالِ وَالْعِزِّ ؟ فَقَالَ : نَظَرْنَا فِيمَا يُقْتَلُ مِنَّا فَإِذَا هُمْ لَا يَرْجِعُونَ ، وَنَظَرْنَا إِلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَّا مِنَ الْمَالِ فَقَلَّمَا نَلْبَثُ حَتَّى يُخْلِفَهُ اللهُ لَنَا . قَالَ : فَصَالَحَهُمْ خَالِدٌ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا " ( [68]  ) .

وقال أبو يوسف في ذكر صلح أهل الحيرة مع خالد بن الوليد : " ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحِيرَةِ فَتَحَصَّنَ مِنْهُ أَهْلُهَا فِي قُصُورِهَا الثَّلاثَةِ : قَصْرِ الأَبْيَضَ ، وَقَصْرِ الْعُدَيْسِ ، وَقَصْرِ ابْنِ بُقَيْلَةَ ، فَأَجَالَ أَصْحَابُ الْخَيْلِ فِي ذَلِكَ إلَى الظُّهْرِ وَتَعَرَّضُوا لَهُمْ لأَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَحَدٌ ، أَوْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ ، وَلا يُرِيدُ قِتَالَهُمْ ، فَأَشْرَفَ وَلَدَانِ مِنْ فَوْقِ الْقَصْرِ ، فَأَرْسَلَ خَالِدٌ رَجُلا مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ إِلَى الْقَصْرِ الأَبْيَضِ ، فَوَقَفَ ، ثُمَّ قَالَ : لِمَنْ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ ، يَخْرُجْ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ أُكَلِّمُهُ .
فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَقَالَ : وَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ إِيَاسُ بْنُ قبَيصَةَ الطَّائِيُّ ، وَكَانَ وَالِي الْحِيرَةِ مِنْ قِبَلِ كِسْرَى ، وَلاهُ بَعْدَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، فَأَتَوْا خَالِدَ ، فَقَالَ لَهُمْ : أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ ، فَإِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ " ، قال : " فَقَالَ لَهُ إِيَاسُ بْنُ قُبَيْصَةَ : مَا لَنَا فِي حَرْبِكَ مِنْ حَاجَةٍ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ مَعَكَ فِي دِينِكَ ، نُقِيمُ عَلَى دِينِنَا وَنُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ .
فَصَالَحَهُ عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا ، وَرَحَلَ عَلَى أَنْ لا يَهْدِمَ لَهُمْ بَيْعَةً وَلا كَنِيسَةً وَلا قَصْراً مِنْ قُصُورِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَحَصَّنُونَ فِيهَا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ عَدُوٌ لَهُمْ ، وَلا يُمْنَعُونَ مَنْ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ ، وَلا مِنْ إِخْرَاجِ الصُّلْبَانِ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ ، وَعَلَى أَنْ لا يَشْتَمِلُوا عَلَى تَغِبَّةٍ وَعَلَى أَنْ يُضِيفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ .
وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لأَهْلِ الْحِيرَةِ ، أَنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ بَعْدَ مُنْصَرَفِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِأَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَأُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ ، وَأُنْذِرُهُمْ مِنَ النَّارِ ، فَإِنْ أَجَابُوا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَإِنِّي انْتَهَيْتُ إِلَى الْحِيرَةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ ، وَإِنِّي دَعَوْتُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ أَوِ الْحَرْبَ ، فَقَالُوا : لا حَاجَةَ لَنَا بِحَرْبِكِ وَلَكِنْ صَالِحْنَا عَلَى مَا صَالَحْتَ عَلَيْهِ غَيْرَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ ، وَإِنِّي نَظَرْتُ فِي عِدَّتِهِمْ فَوَجَدْتُ عِدَّتَهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ ثُمَّ مَيَّزْتُهُمْ ، فَوَجَدْتُ مَنْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ أَلْفَ رَجُلٍ ، فَأَخْرَجْتُهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ ، فَصَارَ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ سِتَّةَ آلافٍ ، فَصَالَحُونِي عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا ، وَشَرَطْتُ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي أَخَذَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ : أَنْ لا يُخَالِفُوا ، وَلا يُعِينُوا كَافِراً عَلَى مُسْلِمٍ مِنَ الْعَرَبِ وَلا مِنَ الْعَجَمِ ، وَلا يَدُلُّوهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ الَّذِي أَخَذَهُ أَشَدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ عَهْدٍ أَوْ مِيثَاقٍ أَوْ ذِمَّةٍ .
فَإِنْ هُمْ خَالَفُوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا أَمَانَ ، وَإِنْ هُمْ حَفِظُوا ذَلِكَ وَرَعَوْهُ وَأَدَّوْهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُعَاهَدِ وَعَلَيْنَا الْمَنْعُ لَهُمْ .
فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَهُمْ عَلَى ذِمَّتِهِمْ ، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَشَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ عَهْدٍ أَوْ مِيثَاقٍ ، وَعَلَيْهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ لا يُخَالَفُوا.
فَإِنْ غُلِبُوا فَهُمْ فِي سِعَةٍ يَسَعُهُمْ مَا وَسِعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ .
وَلا يَحِلُّ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ أَنْ يُخَالِفُوا ، وَجَعَلْتُ لَهُمْ أَيُّمَا شَيْخٍ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنَ الآفَاتِ أَوْ كَانَ غَنِيًا فَافْتَقَرَ ، وَصَارَ أَهْلُ دِينِهِ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ ، طَرَحْتُ جِزْيَتَهُ ، وَعِيلَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِيَالُهُ ، مَا أَقَامَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ .
فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى غَيْرِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّفَقَةَ عَلَى عِيَالِهِمْ .
وَأَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِمْ أَسْلَمَ أُقِيمَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَبِيعَ بِأَعْلَى مَا يُقَدَّرُ عَلَيهِمْ فِي غَيْرِ الْوَكْسِ وَلا تَعْجِيلَ ، وَدُفِعَ ثَمَنُهُ إِلَى صَاحِبِهِ .
وَلَهُمْ كُلُّ مَا لَبِسُوا مِنَ الزِّيِّ إِلا زِيَّ الْحَرْبِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِمْ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْهُمْ وُجِدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زِيِّ الْحَرْبِ سُئِلَ عَنْ لِبْسِهِ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَ مِنْهُ بِمَخْرَجٍ وَإِلا عُوقِبَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ زِيِّ الْحَرْبِ .
وَشُرِطَتْ عَلَيْهِمْ جِبَايَةٌ مَا صَالَحْتُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيهِ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عُمَّالُهُمْ مِنْهُمْ ، فَإِنْ طَلَبُوا عَوْناً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُعِينُوا بِهِ ، وَمَئُونَةُ الْعَوْنِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ .

قَالُوا : وَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لإِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ ، وَعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ : لِمَ هَذِهِ الْحُصُونُ بَنَيْتُمْ وَلَسْتُمْ فِي دَارِ مَنْعِهِ ؟ فَقَالا : نَرُدُّ بِهَا السَّفِيهَ حَتَّى يَأْتِي الْحَلِيمُ ، قَالَ : لَوْ كُنْتُمْ أَهْلَ قِتَالٍ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ ؟ قَالُوا : آثَرْنَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَرَضِيَ مِنَّا جِيرَانُنَا بِذَلِكَ يَعْنُونَ أَهْلَ فَارِسَ ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا وَرَحَلَ .
فَكَانَتْ أَوَّلُ جِزْيَةٍ حُمِلَتْ مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ ، وَأَوَّلُ مَالٍ قُدِمَ بِهِ مِنَ الْمَشْرِقِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " ( [69]  ) .

6ــ بقاء هاني بن قبيصة على النصرانيّة حتى مماته .

توفّي هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني في الكوفة على النصرانيّة ولم يسلم ، قال ابن دريد في ذكر بني شيبان : " منهم : هاني بن قَبِيصَة ، كان شريفاً عظيمَ القَدْر ، وكان نَصرانيّاً وأدركَ الإسلامَ فلم يُسلِم . ومات بالكوفة " ( [70]  ) .
ومن أخباره في أواخر العقد الرابع من الهجرة النبوية أنّ إحدى بناته تزوّجت أحد أبناء عمومتها من المسلمين فاعترض هاني بن قبيصة على زواج ابنته من ابن عمّه وهو القعقاع بن شور بن نعمان بن عقال بن حارثة بن عباد بن امرئ القيس بن عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وهو من بني شيبان بن ذهل وهم أبناء عمومة بني شيبان بن ثعلبة قوم هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود ، وكان القعقاع بن شور من تابعيّي أهل الكوفة ، وكان من كبار الأمراء في عهد معاوية بن أبي سفيان .

روى الدارقطني بسنده عن الشيباني عن بحريّة بنت هاني بن قبيصة قالت زوّجت نفسي القعقاع بن شور وبات عندي ليلة ، وجاء أبي من الأعراب فأستعدي عليّاً وجاءت رسله ، فانطلقوا به إليه ، فقال : أدخلت بها ؟ قال : نعم فأجاز النكاح ، وفي رواية بسنده عن الشيباني عن بحريّة بنت هاني الأعور أنّه سمعها تقول زوّجها أبوها رجلاً ، وهو نصراني ، وزوجت نفسها القعقاع بن شور ، فجاء أبوها إلى علي رضي الله عنه ، فأرسل إليها ووجد القعقاع قد بات عندها ، وقد اغتسل فجئ به إلى علي ، وأنَّ عليه خلوقا فقال أبوها : فضحتني ، والله ما أردت هذا ، قال : أترى بنائي يكون سرّاً ، فارتفعوا إلى علي رضي الله عنه ، فقال : دخلت بها ؟ قال : نعم فأجاز نكاحها نفسها ، وروى بسنده عن الشيباني قال : كان فينا امرأة يقال لها بحريّة ، زوّجتها أمها وأبوها غائب ، فلمّا قدم أبوها أنكر ذلك ، فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب فأجاز النكاح " ( [71]  ) .

وقال ابن عساكر : " حدثت بحريّة بنت هانئ أنها زوّجت نفسها من القعقاع بن شور ، وبات عندها ليلة ، وجاء أبوها فاستعدى عليّاً ، فقال : أدخلت بها ؟ قال : نعم ، فأجاز النكاح " ( [72]  ) .
وروى ابن أبي شيبة بسنده عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ أُمِّهِ بَحِيرَةَ بِنْتِ هَانِئٍ ، قَالَتْ : تَزَوَّجْتُ الْقَعْقَاعَ بْنَ ثَوْرٍ فَسَأَلَنِي وَجَعَلَ لِي مُذْهَبًا مِنْ جَوْهَرٍ عَلَى أَنْ يَبِيتَ عِنْدِي لَيْلَةً ، فَبَاتَ ، فَوَضَعْتُ لَهُ تَوْراً فِيهِ خَلُوقٌ ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ ، فَقَالَ لِي : فَضَحْتِنِي ، فَقُلْتُ لَهُ : مِثْلِي يَكُونُ شَرًّا ؟ ، فَجَاءَ أَبِي مِنَ الْأَعْرَابِ ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ عَلِيًّا ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْقَعْقَاعِ : أَدْخَلْتَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَأَجَازَ النِّكَاحَ " ( [73]  ) .    

قلت : بحيرة تصحيف بحريّة .

وروى ابن حزم بسنده عن أبي إسحاق الشيباني ، وسفيان الثوري ، قال أبو إسحاق : كانت فينا امرأة يقال لها : بحريّة ، زوّجتها أمها ، وكان أبوها غائبا ، فلمّا قدم أبوها أنكر ذلك ، فرفع ذلك إلى علي فأجاز ذلك .

قال شعبة : وأخبرني سفيان الثوري أنّه سمع أبا قيس يحدث عن هذيل بن شرحبيل عن علي بن أبي طالب بمثله .
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا شعبة بن الحجاج قال : أخبرني سليمان الشيباني ــ هو أبو إسحاق ــ قال : سمعت القعقاع ، قال : إنّه تزوّج رجلٌ امرأة منّا يقال لها : بحريّة ، زوّجتها إيّاه أمّها ، فجاء أبوها فأنكر ذلك ، فاختصما إلى علي بن أبي طالب ، فأجازه " ( [74]  ) .

قلت : استقرّ علي بن أبي طالب رضي الله في الكوفة عام 36 هــ إلى استشهاده عام 40 هــ ، أي أنّ هذا الزواج تمّ في عهده ، وكان هذا بعد مقتل عبيد الله بن عمر زوج بحريّة عام 37 هــ ،  فقد كانت بحريّة قبل زواجها بالقعقاع زوجةً لعبيد الله بن عمر بن الخطّاب حتى مقتله في صفّين في ربيع الأوّل عام 37 هــ ، قال ابن عساكر : " بحريّة بنت هانئ بن قبيصة بن مسعود الشيبانيّة امرأة عبيد الله بن عمر . كانت حازمة عاقلة ، ووردت معه الشام ، وكانت معه بصفّين حين قتل " ( [75]  ) ، وقال النويري : " كان قد خرج في اليوم الذى قتل فيه ، وجعل امرأتين له بحيث تنظران إلى فعله وهما : أسماء بنت عطارد بن حاجب التّميميّ ، وبحريّة بنت هانئ بن قبيصة ، فلمّا برز شدّت عليه ربيعة فنشب  بينهم فقتلوه ، وكان على ربيعة يومئذ زياد بن خصفة التّميميّ ، فقيل له : إنّ هذه بحريّة ، فسقط عبيد الله ميّتا قرب فسطاطه ... وأقبلت امرأتاه حتّى وقفتا عليه ، فبكتا وصاحتا ، فخرج زياد بن خصفة فقيل له : إنَّ هذه بحرية بنت هانئ ، فقال : ما حاجتك يا بنت أخي ؟ فقالت : زوجي قتل ، تدفعه إليّ ، قال : نعم ، فخذيه " ( [76]  ) .

وما سبق بيانه يفيد أنَّ هاني بن قبيصة الشيباني ظلّ حيّاً حتى عام 37 هــ ، وكان على نصرانيته ، وقد ذكر ابن دريد وفاته في الكوفة على النصرانيّة .
وقد تزوّج القعقاع بن شور ابنة أخرى لهاني بن قبيصة هي ناجية ، فولدت له النضر قُتل عام 76 هــ ، قال الطبري في حوادث عام 76 هــ : " النضر بن قعقاع بن شور الذهلي ، وأمّه ناجية بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ الشيباني " ، وقال : " ... فقال له شبيب : يا نضر بن القعقاع ، لا حكم إِلَّا لِلَّهِ ــ وإنما أراد شبيب بمقالته له تلقينه ، فلم يفهم النضرــ فقال : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، فقال أصحاب شبيب : يا أمير المؤمنين ، كأنك إنّما تريد بمقالتك أنْ تلقّنه فشدّوا على نضر فقتلوه " ( [77]  ) ، وكان ذلك في الكوفة .
كما تزوّج عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه قاضي الكوفة بنت هاني بن قبيصة ( [78]  ) ، وقد توفّي عروة البارقيّ بحدود عام 73 هــ فيما ذكره الذهبي ( [79]  ) .
وتزوّج عمْرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيّ أمير الكوفة إحدى بنات هاني بن قبيصة ، قال ابن سعد : " ولد عمرو بن حريث : .... ويحيى ، وخالداً ، وأم عبد الله ، وأم الوليد ، وأمّهم هند بنت هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة " ( [80]  ) .
قال ابن عبد البرّ في ذكر عمرو بن حريث : " نزل الكوفة وابتنى بها داراً وسكنها ، وولده بها ، وزعموا أَنَّهُ أوّل قرشي اتخذ بالكوفة داراً ، وَكَانَ لَهُ فيها قدر وشرف ، وَكَانَ قد ولي إمارة الكوفة ومات بها سنة خمس وثمانين " ( [81]  ) .
وتزوّج عمارة بن عقبة بن أبي معيط القرشيّ أحد رجالات الكوفة مَرِيجٌ بِنْتُ هَانِي بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ هَانِي ، قال ابن سعد في ذكر عمارة : " ولد عمارة .... وعُثْمَانَ بْنَ عُمَارَةَ ، وَأُمَّ نَافِعٍ ، وَأُمُّهُمَا مَرِيجٌ بِنْتُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ هَانِئِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ " ( [82]  ) ، وولده في الكوفة ، قال البلاذري : " وأمّا عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، فإنّه كَانَ مقيماً بالكوفة ، وبها ولده " ( [83]  ) ، وتُنسب إليه رحا عمارة في الكوفة ، قال ياقوت الحموي : " رحا عمارة : محلّة بالكوفة تُنسب إلى عمارة بن عقبة بن أبى معيط " ( [84]  ) .
ومن أخبارهم في الكوفة أيضاً أنَّ العريان بن الهيثم الكوفيّ تزوّج امرأة من ولد هاني بن قبيصة ، قال ابن أبي الحديد : " كان العريان تزوّج امرأة اسمها زباد ــ مبني على الكسر والزاي مفتوحة بعدها باء منقوطة بواحدة ــ وهي من ولد هانئ بن قبيصة الشيباني ، وكانت قبله تحت الوليد بن عبد الملك بن مروان فطلقها فأنكحها إيّاه أخٌ لها يقال له زياد " ( [85]  ) ، وأورد هجاء يحيى بن نوفل لهذا الزواج .
وقال ابن ناصر الدين : " زباد زوج الْوَلِيد بن عبد الْملك الَّتِي طَلقهَا ، فَتَزَوجهَا الْعُرْيَان بن الْهَيْثَم بن الْأسود النَّخعِيّ الْكُوفِي الشَّاعِر " ، قال : " وَزَباد هَذِه من ولد هَانِئ بن قبيصَة الشَّيْبَانِيّ " ( [86]  ) ، وقال مغلطاي في ذكر العريان : " عريان بن الهيثم بن الأسود بن أقيش بن معاوية بن سفيان بن هلال بن عمرو بن جشم بن عوف بن النخع الكوفي الأعور . قال يحيى بن نوفل يهجوه أنشده المبرد ، قال : وكان العريان تزوج زباد من ولد هانئ بن قبيصة الشيباني ، وكانت عند الوليد بن عبد الملك فطلقها ، فتزوجها العريان وكان ابن نوفل هجّاءً فقال " ، وأورد الأبيات ومنها :

لعمر بني شيبان إذ ينكحونه زباد ..... لقد ما قصروا بزباد

وأنكحها لا في كفاء ولا غنــــى ..... زياد أضلَّ الله سعى زياد ( [87]  )

والعريان هذا كان على شرطة الكوفة في عهد خالد القسري ، قال خليفة بن خيّاط في ذكر عزل خالد بن عبد الله القسري عام 120 هــ : " من كان على شرط خالد القسريّ .... وعلى شرط الكوفة العريان بن الهيثم النخعي " ( [88]  )

وهذا يعني أنّ ذريّة هاني بن قبيصة وأقاربه كانوا يقطنون الكوفة حتى القرن الثاني حيث زوّج زياد الشيباني أخته زباد للعريان النخعيّ .

وكذلك حال قومهم من بني أبي ربيعة بن ذهل ، قال ابن حجر في ذكر المخارق بن عبد الله الشيباني والد النابغة الشيباني المتقدّم ذكره : " مخارق بن عبد اللَّه :  ويقال ابن سليم الشيبانيّ‌ ، يكنّى أبا قابوس . يُعدّ في الكوفيّين " ، وقال : " روى عنه ابناه قابوس ، وعبد اللَّه " ( [89]  ) ، وقال ابن الأثير : " مخارق بن عبد الله الشيباني قاله أبو أحمد العسكري وهو والد قابوس يُعدُّ في الكوفيين " ( [90]  ) .
وكذلك كان ولداه النابغة عبد الله وقابوس من رجالات الكوفة ، قال ابن الأثير : " عبد الله بن أبو قابوس غير منسوب ، عداده فِي أهل الكوفة . أختلف فِي اسمه فقيل : اسمه المخارق " ( [91]  ) ، وقال ابن حجر : "  قابوس بن المخارق : أو ابن أبي المخارق الكوفي . تابعي مشهور " ( [92]  ) .

وكان بعض أبناء عمومتهم من بني مُرّة يقطنون الكوفة في القرن الرابع للهجرة ، قال السمعاني : " أبو الحسن على بن محمد بن محمد بن عقبة بن الهمام بن الوليد بن عبد الله بن حمارس  بن سلمة بن سمير بن أسعد بن همّام بن مُرّة بن ذهل بن شيبان بن ذهل الشيباني الكوفي ، من شيبان أهل الكوفة " ( [93]  ) ، وقال : " مات لسبع بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة " ( [94]  ) .

وكان مركزهم الكبير في الجزيرة الفراتية وأكبر معاقلهم هو رأس العين ، فقد جاء لبني أبي ربيعة ذكرٌ في فترة حكم عبد الملك بن مروان ( 65 ــ 86 هــ ) ، قال البلاذري في ذكر يوم الثرثار الأول بين القيسيّة بقيادة عمير بن الحباب السلمي ( ت 70 هــ ) وبين تغلب ومن معهم : " الثرثار نهرٌ ينزع من هرماس نصيبين ويفرغ فِي دجلة بين الكحيل ورأس الإيل .

قالوا : استمدّت تغلب بعد يوم ماكسين وحشدت واجتمعت إليها النمر بْن قاسط ، وأتاها المجشر بْن الحارث من ولد أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شيبان ، وَكَانَ من سادات بني شيبان بالجزيرة " ( [95]  ) .
وقال أبو الفرج الأصفهاني في ذكر ذلك : " كان من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائلٍ المجشر بن الحارث بن عامر بن مُرّة بن عبد الله بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ، وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثيرٍ من بني أبي ربيعة . وفي ذلك يقول تميم بن الحباب بعد يوم الحشاك :

فإن تحتجز بالماء بكـــر بن وائــــــلٍ ..... بني عمّنا فالدهر ذو متغـيّــر
فسوف نخيض الماء أو سوف نلتقي ..... فنقتصُّ من أبناء عمِّ المجشّر ( [96]  )

7ــ تحضّر آل هاني بن قبيصة وقومهم بنو ربيعة وشيبان بل وأكثر ربيعة .

قدّم آنفاً أنّ هاني بن قبيصة كان يسكن في الحيرة ، وكان أهل الحيرة قد تحصّنوا فيها عند قدوم خالد بن الوليد لفتحها ، ثمّ صالحوه ، وأدّوا الجزية بعد أن فضّلوا البقاء على دينهم النصراني . 
وكان بعض بني أبي ربيعة يقطنون بلدة الكوفة ومنهم مخارق بن عبد اللَّه الشيباني وولداه النابغة الشيباني عبد الله وقابوس ابنا مخارق بن عبد الله ، كما كان يقطنها الشاعر الأعشى الشيباني ، وهو أعشى بني أبي ربيعة المتوفى نحو عام 100 هــ . قال الأصفهاني : " الأعشى اسمه عبد اللّه بن خارجة بن حبيب بن قيس بن عمرو بن حارثة بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة الحصين بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بين جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار : شاعر إسلامي من ساكني الكوفة " ( [97]  ) ، وقد تزوّج بعض رجالات الكوفة بعض بنات هاني بن قبيصة ، كذلك إحدى حفيداته وهي زباد التي تزوّجها العريان بن الهيثم النخعيّ كما تقدّم بيانه .
وكان معقل بني أبي ربيعة قوم هاني في بلدة رأس العين ، ويبدو أن بني ابي ربيعة الذين كانوا يقطنون الحيرة والكوفة قد التحقوا ببني عمّهم في بلدة رأس العين ، ففي عام 200 هــ ظهر شأن أبي السرايا السريّ بن منصور الشيباني من ذريّة هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني ، وكان كبير بني شيبان في الجزيرة .

وأبو السرايا الشيبانيّ هو السريّ بن منصور بن حسّان الشيباني الملقّب بالأصفر ، وهو من بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ، قال خليفة بن خيّاط ، والبلاذري ، والمسعوديّ ، وابن فندق ، والذهبيّ ، وابن تغرى بردى ، وابن عنبة ، والفاسيّ ، وابن العِماد الحنبليّ : " أبو السّرايا السري بن منصور الشيباني " ( [98]  ) ، وقال اليعقوبيّ : " الأصفر المعروف بأبي السرايا ، واسمه السري ابن منصور الشيباني " ( [99]  ) ، وقال ابن فضل الله العمري : " أبو السرايا السري بن منصور ، ولقبه الأصفر " ( [100]  ) ، وقال أبو حنيفة بن النعمان بن محمد : " أبو السرايا وهو السري بن المنصور من بني ربيعة " ( [101]  ) ، وقال الصفديّ : " السريّ بن مَنْصُور من بني ذُهْل بن شَيبَان " وقال : " وَيُعرف بِأبي سَرَايَا " ( [102]  ) ، وقال العصاميّ " أَبو السَّرَايَا السّري بن مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ " ( [103]  ) ، وقال : " كَانَ أَبُو السَّرَايَا السّري بن مَنْصُور وَيذكر أَنه من بني شَيبَان من ولد هَانِئ بن قبيصَة بن هَانِئ بن مَسْعُود " وقال : " كَانَ بالجزيرة " ( [104]  ) ، وقال ضامن بن شدقم : " أبو السّرايا بن منصور بن حسّان الشّيباني " ( [105]  ) ، وقال : " أبو السّرايا السّري بن منصور الشّيباني " ( [106]  ) ، وقال الطبري : " أبو السرايا ، واسمه السري بن منصور ، وكان يذكر أنه ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان " ( [107]  ) ، وقال الأزدي في ذكر حوادث عام 199 هــ : " ... وفيها خرج محمد بن إبراهيم طباطبا بالكوفة في جمادي الآخرة منها يدعو إلى الرضا من آل محمد ، وكان القيّم بأمره رجل أعرابي من بني شيبان يُكنّى أبا السرايا ، واسمه السريّ بن منصور ، وكان يذكر أنّه من ولد هاني بن قبيصة " ( [108]  ) ، وقال : " أبو السرايا هذا رجل من الجزيرة من أهل رأس عين ومنزله كان بها " ( [109]  ) ، وقال : " رأس عين منزل أبي السرايا " ( [110]  ) ، وقال أبو الفرج الأصفهانيّ : " أبو السرايا السري بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان ، وكان قد خالف السلطان ونابذه ، وعاث في نواحي السواد ، ثمَّ صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفا على نفسه ، ومعه غلمان له فيهم : أبو الشوك ، وسيّار ، وأبو الهرماس ، غلمانه . وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيّع " ( [111]  ) ، وقال في ذكر إحدى وقائعه : " ... لقى أبو السرايا عبدوساً في رحبة الجامع فكشف خوذته عن رأسه وصاح : أنا أبو السرايا ، أنا أسد بني شيبان ... " ( [112]  ) ، وذكر أنَّ أحد إخوة ابي السرايا قُتل في إحدى وقائع ابي السرايا مع هرثمة بن أعين أحد قادة العبّاسيّين ، وقال : " ... فلمّا صار بالرحب صار هرثمة إليه فلحقه هناك فقاتله قتالاً شديداً ، فهزم أبو السرايا ، وقتل أخوه ... " ( [113]  ) .
وقال ابن الأثير : " أبو السرايا السري بن منصور ، وكان يذكر أنّه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني " ( [114]  ) ، وقال ابن خلدون : " كان أبو السرايا السريّ بن منصور يذكر أنه من بني شيبان من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود " ( [115]  ) ، وقال الطبري وابن مسكويه وإبن الأثير وابن كثير والنويري في ذكر معقل أبي السرايا : " منزل أبي السَّرايا برأس عين " ( [116]  ) ، وقال ابن الأثير والنويري: " كان يكري الحمير ... بالجزيرة " ( [117]  ) ، وقد قاد ثورةً شيعيّة على الخليفة العبّاسي المأمون منضمّاً إلى محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الشهير بابن طباطبا ، قال ابن خلدون في ذكر ابن طباطبا : " وافاه أبو السرايا السريّ بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبير حربه " ( [118]  ) ، وكان قبل ذلك قد انضم إلى هرثُمَّة بن أعين أحد قادة المأمون ، قال ابن الأثير : " قصده العرب من الجزيرة واستخرج لهم الأرزاق من هرثُمَّة فصار معه ألفي فارس وراجل " ( [119]  ) ، وكان هؤلاء العرب من قومه من بني شيبان ، قال ابن خلدون : " استماله هرثُمَّة فمال إليه ولحق به ، وقصد بني شيبان بالجزيرة ، واستخرج لهم الأرزاق ، واجتمع إليه أزيد من ألفي فارس " ( [120]  ) ، ثُمَّ قُتل سنة 200 هــ ، وفي سنة 202 هــ وثب أخوه عبد الله في الكوفة ليقود ثورة شيعيّة أخرى ، فبيّض أي ضدّ المسوّدة وهم بنو العبّاس ، فلقيه والي الكوفة غسّان بن أبي الفرج فقتله في شهر رجب سنة 202 هــ ( [121]  ) .
وقد استقرّ بنو أبي ربيعة عشيرة هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود مع قومهم من بني شيبان في الجزيرة الفراتية وديار بكر لا سيّما في بلدة راس العين ونواحيها . قال الإصطخري ( ت 346 هــ ) : " بالجزيرة مفاوز يسكنها قبائل من ربيعة ومضر أهل خيل وغنم والإبل عندهم أقل منها بالبادية ، وأكثرهم متصلون بالقرى وبأهلها ، فهم بادية حاضرة " ( [122]  ) .
وقال ابن حوقل ( ت 367 هــ ) : " بالجزيرة براري ومفاوز وسباخ بعيدة الأقطار تنتجع لامتيار الملح والأشنان والقلى ، وكان يسكنها قبائل من ربيعة ومضر أهل خيل وغنم وإبل قليلة ، وأكثرهم متّصلون بالقرى وبأهلها فهم بادية حاضرة . فدخل عليهم في هذا الوقت من بطون قيس عيلان الكثير من بنى قشير وعقيل وبنى نمير وبنى كلاب فأزاحوهم عن بعض ديارهم بل جلّها وملكوا غير بلد وإقليم منها كحرّان وجسر منبج والخابور والخانوقة وعرابان وقرقيسيا والرحبة في أيديهم يتحكّمون في خفائرها ومرافقه ، والزابيان نهران عظيمان كبيران إذا جمعا كانا كنصف دجلة وأكثر ، وهما من شرقيّها ومخرجهما من الجبال التي بين نواحي اذربيجان متسرّبة من أقتار أرمينية ونواحى اذربيجان من جنوبيّها ، وبين ذين النهرين مراع كثيرة وبلاد كانت الضياع بها ظاهرة والسكّان بها الى عن قريب على حال صالحة وافرة ، فتكاثرت عليهم البوادي واعتورتهم الفتن فصارت قفاراً من السكّان يباباً بعد العمران وهي في الشتاء مشاتي للأكراد الهذبانيّة ومصائف لبنى شيبان " ( [123]  ) .

قلت : نصّ الاصطخري على أنّ ربيعة أهل الجزيرة بادية حاضرة وأنّهم أهل إبل قليلة ، ونصّ ابن حوقل أنّ بطون قيس عيلان من بنى قشير وعقيل وبنى نمير وبنى كلاب نزلوا تلك الديار فأزاحوهم عن بعضها بل عن جلّها .

وقد هجروا معقلهم في رأس العين . قال ابن حوقل : " كانت رأس العين مدينة ذات سور من حجارة نبيل ، وكان داخل السور لهم من المزارع والطواحين والبساتين ما كان يقوتهم لولا ما منوا به من الجور الغالب والبلاء الفادح ، ممّن لا رحم الله منهم شعرة ولا ترك من نسلهم أحدا ليجعلهم آية وعبرة ، وكان يسكنها العرب وبها لهم خطط ، وفيهم ناقلة من الموصل أصلهم . وفيها من العيون ما ليس ببلد من بلدان الإسلام ، وهى أكثر من ثلاثمائة عين ماء جارية كلّها صافية يبين ما تحت مياهها فى قعورها على أراضيها ، وفيها غير عين لا يعرف لها قرار وغير بئر عليها شبابيك الحديد والخشب ، ويقال أنّها خسيف ، وقد جعل الشبّاك دون وجه الماء بذراع ونحوه ليحفظ ما يسقط فيها ، ويقال أنّهم اعتبروا غير بئر بمائين أذرع حبال فلم يبلغوا قعرها ، وتجتمع هذه المياه حتّى تصير نهراً واحداً ، ويجرى على وجه الأرض فيعرف بالخابور ، ويقع إلى نواحي قرقيسيا ، وكان عليه لأهل رأس العين نحو عشرين فرسخاً قرى ومزارع ، وكان لهم غير رستاق وناحية كبيرة كثيرة الضياع والأشجار والكروم على هذه المياه الجارية المذكورة ، وكان لهم أيضا ضياع مباخس وأعذاء في ضياعها ومزارعها ، فلم يبق بالقصبة لهم إلّا نويس في نفسها على ترقّبٍ من الروم والعرب قد لجأوا الى بعض قصورها وجعلوه حصنا يأوون اليه عند خوفهم " ( [124]  )

هذا ما كان في القرن الرابع ، وفي القرن السابع نصّ ابن سعيد الأندلسي في تجواله في بلاد العراق والجزيرة العربية أنّهم لم يبق من بكر بن وائل بدو رحّل بل أصبحوا حاضرة مستقرّين .

قال إبن سعيد الأندلسي ( ت 685 هــ ) جزيرة العرب في منتصف القرن السّابع للّهجرة ــ كان في المدينة المنوّرة عام 651 هــ ) ــ لم يجد لقبائل ربيعة وجوداً في الجزيرة بل ولا في غيرها ممّن له حلّ وترحال إلا عنزة وبني شُعْبة وعنز ، فقد قال في ذكر بني بكر بن وائل أصل بني شيبان : " ديار بكرٍ بالجزيرة الفراتيّة مشهورةٌ ، وإن لم يبق لهم بها الآن قائمة " ( [125]  ) ، وقال : " لم يبق الآن من ربيعة طائلٌ على ما كان فيها من الكثرة والعظمة وتفرّقت قبائلها في الحواضر والقرارات ، ولقد دوّخت بلاد ربيعة بالجزيرة الفراتيّة فلم أجد فيها من يركب فرساً من تغلب ولا بكر ولا لهم قائمةٌ ، وقد صارت دولة العرب هناك لزبيد من طيء ولعبادة من المضريّة ، وتغلب وبكر دخلوا في الفلاّحين وأمٌحى عنهم اسم العرب ، ودخلت جزيرة العرب فسألت هل بقي في أقطارها أحدٌ من ربيعة ؟ فقالوا : لم يبق من يركب الخيل وفيه عربيّةٌ وحلٌّ وترحالٌ غير عنزة ، وهم بجهات خيبر ، وبني شُعْبة المشهورين بقطع الطّرقات وهتك الأستار في أطراف الحجاز ممّا يلي اليمن والبحر ، وبني عنز بجهة تبالة ، وغير ذلك لا نعلمه في الشرق ولا في الغرب " ( [126]  ) .




[1] موسوعة القبائل العربية ، المجلّد الأوّل ، ص 139
[2] المصدر السَّابق ، المجلّد الأوّل ، ص 143
[3] المصدر السَّابق ، المجلّد الأوّل ، ص 144
[4] المصدر السَّابق ، المجلّد الأوّل ، ص 145
[5] سكّان منطقة تبوك ، ولمحة تاريخيّة عن محافظاتها وآثارها مدعّمة بالوثائق والخرائط والصور  ، المجلّد الثاني ، ص 433
[6] نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، ص 159 
[7] مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، قبائل العرب في القرنين السابع والثامن الهجريّين ، ص 153 ، مجلّة العرب ، سنة 16 ، ص 925 ، صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، ج 4 ، ص 284 وفيه المضارجة والزراق ، قلائد الجمان في التَّعريف بقبائل عرب الزَّمان ، ص 90 وفيه المضارجة والزراق والحبور  .
[8] قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ، ص 90
[9] مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، قبائل العرب في القرنين السابع والثامن الهجريّين ، ص 115 و ــ 116 و 148
[10] تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار ، المجلّد الثاني ، القسم الأوّل ، ص 381 ــ 382
[11] الدُّرر الفرائد المنظَّمة في أخبار الحاج وطريق مكّة المعظَّمة ، ج 2 ، ص 1375
[12] تاريخ ابن خلدون المُسمّى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السُّلطان الأكبر ، المجلّد الثاني ، ص 295
[13] المصدر السّابق ، المجلّد السادس ، ص 8
[14] صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، ج 1 ، ص 324
[15] التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، ج 3 ، ص 187
[16] نصيحة المشاور وتعزية المجاور ، ص 309 ، التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، ج 2 ، ص 260
[17] تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار ، المجلّد الثاني ، القسم الأوّل ، ص 449
[18] تاريخ ابن خلدون ، المجلّد الثاني ، ص 350
[19] قبائل العرب في القرنين السَّابع والثَّامن الهجريّين ، ص 148
[20] الأنساب ، ج 5 ، ص 155
[21] المصدر السَّابق ، ج 8 ، ص 338
[22] المصدر السَّابق ، ج 9 ، ص 144 ــ 155
[23] معجم ما أستعجم ، ج 1 ، ص 85 ــ 86 ، افتراق ولد معدّ ، ص 87 ــ 89
[24] صفة جزيرة العرب ، ص 284
[25] المصدر السَّابق، ص 324 و 325
[26] منتهى الطلب من أشعار العرب ، المجلّد الثالث ، ص 391 ــ 395 ، مجلّة إتحاد الجامعات العربية للآداب ، المجلّد الرابع ، عدد 1 ، 1428 هــ 2007 م ، ص 114 ــ 115
[27] منتهى الطلب من أشعار العرب ، المجلّد الثالث ، ص 391 ــ 395 ، مجلّة إتحاد الجامعات العربية للآداب ، المجلّد الرابع ، عدد 1 ، 1428 هــ 2007 م ، ص 111
[28] ديوان سلامة بن جندل ، ص 226 ــ 227  
[29] الفتوح ، ج 1 ، ص 70 ــ 71 ، الردّة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنّى بن حارثة ، ص 215 ــ 216
[30] أنساب الأشراف ، ج 11 ، ص 203
[31] المصدر السّابق ، ج 11 ، ص 251
[32] العقد الفريد ، ج 5 ، ص 191 ــ 192 ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 15 ، ص 386
[33] أنساب الأشراف ، ج 11 ، ص 206
[34] معجم ما أستعجم : رسم رأس العين
[35] معجم البلدان : رسم رأس عين
[36] الاشتقاق ، ص 224
[37] المصدر السَّابق ، ص 224
[38] الأنساب ، ج 1 ، ص 65
[39] المصدر السَّابق ، ج 1 ، ص 65 و 66 و 67
[40] سبل الهدى والرشاد ، ج 2  ، ص 453
[41] الإصابة في تمييز الصحابة ، ج 6 ، ص 351
[42] الأعلام ، ج 7 ، ص 238
[43] العقد الفريد ، ج 5 ، ص 194
[44] معرفة الصحابة ، المجلّد الرابع ، ص 309
[45] الاشتقاق ، ص 359
[46] العمدة ، ج 2 ، ص 221
[47] الاستذكار ، المجلّد الثامن عشر ، ص 201
[48] أيّام العرب قبل الإسلام ، ص 365 ، أنساب الأشراف ، ج 11 ، ص 205
[49] الإصابة في تمييز الصحابة ، ج 5 ، ص 58
[50] تاج العروس : رسم نبغ
[51] تاريخ دمشق ، ج 35 ، ص 18
[52] الأغاني ، ج 7 ، ص 78
[53] الأغاني ، ج 7 ، ص 79 ، تاريخ دمشق الكبير ، ج 35 ، ص 18
[54] الوافي بالوفيات ، ج 17 ، ص 226
[55] تاريخ دمشق ، ج 35 ، ص 18
[56] العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ج 1 ، ص 60
[57] الفهرست ، المجلّد الأوّل ، ص 517
[58] شعراء النصرانيّة بعد الإسلام ، القسم الثالث ، ص 241 ــ 242
[59] فتوح البلدان ، ص 339 ــ 340
[60] تاريخ الطبري ، المجلّد الثاني ، ص 307
[61] المصدر السَّابق ، ، المجلّد الثاني ، ص 308
[62] المصدر السَّابق ، ، المجلّد الثاني ، ص 315 ــ 316
[63] المصدر السَّابق ، المجلّد الثاني ، ص 316
[64] المصدر السَّابق ، المجلّد الثاني ، ص 316 ــ 317
[65] المصدر السَّابق ، المجلّد الثاني ، ص 317 ــ 318
[66] المنتظم ، ج 4 ، ص 99
[67] المصدر السَّابق ، ، ج 4 ، ص 98
[68] السنن الكبرى ، ج 9 ، ص 316 ، حديث رقم 18647 ، المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي ، المجلّد السابع ، ص 3748 ــ 3749 
[69] الخراج ، ص 142 ــ 145
[70] سنن الدارقطني ، ج 3 ، ص 323 ــ 324
[71] الاشتقاق ، ص 359
[72] تاريخ دمشق الكبير ، ج 69 ، ص 63
[73] المصنّف في الأحاديث والآثار ، ج 3 ، ص 443
[74] المحلّى بالآثار ، ج 9 ، ص 32
[75] تاريخ دمشق الكبير ، ج 69 ، ص 63
[76] نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 19 ، ص 397
[77] تاريخ الطبري ، المجلّد الثالث ، ص 569
[78] الكشف والبيان المعروف بتفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 278
[79] الإشارة إلى وفيات الأعيان المنتقى من تاريخ الإسلام ، ص 45
[80] الطبقات الكبري متمم الصحابة الطبقة الخامسة ، ج 2 ، ص 171
[81] الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ج 2 ، ص 171
[82] الطبقات الكبري الطبقة الرابعة من الصحابة ، ج 1 ، ص 172
[83] أنساب الأشراف ، ج 7 ، ص 679
[84] معجم البلدان : رسم رحا عمارة
[85] شرح نهج البلاغة ، المجلّد الرابع ، ج 8 ، ص 291 ، وانظر : الكامل ، المجلّد الثاني ، ص 582
[86] توضيح المشتبه ج 4 ، ص 322
[87] إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، المجلّد التاسع ، ص 233
[88] تاريخ خليفة ، ص 351
[89] الإصابة في تمييز الصحابة ، ج 6 ، ص 38 ، وانظر : ج 4 ، ص 234
[90] أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ص 1108 
[91] أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ص 727 
[92] الإصابة في تمييز الصحابة ، ج 5 ، ص 407
[93] الأنساب ، ج 7 ، ص 437
[94] المصدر السَّابق ، ج 7 ، ص 438
[95] أنساب الأشراف ، ج 6 ، ص 166
[96] الأغاني ، ج 12 ، ص 416
[97] ا المصدر السَّابق ، ج 18 ، ص 344
[98] تاريخ خليفة بن خيّاط ، ص 469 ، أنساب الأشراف ، ج 3 ، ص 452 ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ، ج 4 ، ص 30 ، لباب الأنساب والألقاب والأعقاب ، ج 2 ، ص 330 ، العبر في خبر من غبر ، ج 1 ، ص 257 ، النجوم الزاهره في ملوك مصر والقاهره ، ج 2 ، ص 206 ، عمدة الطالب في أنساب آل أبى طالب ، ص 172 ، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ، ج 3  ، ص 417 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، المجلّد الأوّل ، ج 1 ، ص 356
[99] تاريخ اليعقوبي ، المجلّد الثاني ، ص 445
[100] مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، ج 24 ، ص 24 ــ 25
[101] شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار  ، ج 3  ، ص 334
[102] الوافي بالوفيات ، ج 15  ، ص 84
[103] سمط النجوم العوالي في انباء الاوائل والتوالي ، المجلّد الرابع ، ص 203
[104] المصدر السَّابق ، المجلّد الرابع ، ص 182
[105] تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار ، المجلّد الأوّل ، ص 182
[106] المصدر السَّابق ، المجلّد الأوّل ، ص 243
[107] تاريخ الطبري ، المجلّد الخامس ، ص 140
[108] تاريخ الموصل ، ج 1 ، ص 578
[109] المصدر السَّابق ، ج 1 ، 583
[110] المصدر السَّابق ، ج 1 ، 583
[111] مقاتل الطالبيّين ، ص 426
[112] المصدر السَّابق ، ص 433
[113] المصدر السَّابق ، ص 441
[114] الكامل في التَّاريخ ، المجلّد السادس ، ص 302 
[115] تاريخ ابن خلدون ، المجلّد الثالث ، ص 298   
[116] تاريخ الطبري ، المجلّد الخامس ، ص 126 ، الكامل في التَّاريخ ، المجلّد السادس ، ص 309 و 302 ، البداية والنهاية ، ج 10 ، ص 257 ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 22 ، ص 195 ، تجارب الأمم وتعاقب الهمم ، ج 3 ، ص 352
[117] الكامل في التَّاريخ ، ج 6 ، ص 309 و 302  ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 22 ، ص 192
[118] تاريخ ابن خلدون ، المجلّد الرابع ، ص 10  
[119] الكامل في التَّاريخ ، المجلّد السادس ، ص 303
[120] تاريخ ابن خلدون ، المجلّد الثالث ، ص 298
[121] الكامل في التَّاريخ ، المجلّد السادس ، ص 303
[122] مسالك الممالك ، ص 77
[123] صورة الأرض ، ص 205
[124] صورة الأرض ، ص 200
[125] نشوة الطَّرب في تاريخ جاهليّة العرب ، ج 2 ، ص 604
[126]  المصدر السَّابق ، ج 2 ، ص 602 ــ 603  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق