تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الاثنين، يونيو 12، 2017

لقاءات مع بعض رجالات قبائل جنوبيّ سيناء : مزينة والمساعيد والعليقات

الشيخ سالم بن مسلّم المسعودي 

 7 قبائل تُرابط فى جنوب سيناء لدحر الإرهاب

كتب: أحمد العميد 
تصوير: حسن عماد

«شيخ بدوى»: خلال الثغرة ساعدنا 800 جندى وضابط مصرى فى الخروج من الحصار.. وأعطيناهم ملابسنا البدوية وعبروا القناة بكل أسلحتهم
«سليم»: الدولة تهملنا وحمايتنا للأرض من الإرهاب ستظل باقية بغض النظر عن مساعدة الحكومة لنا من عدمها.. والغلاء امتد إلينا بعد رفع أسعار الوقود
«التشميس» يعنى عند البدو الطرد أو النبذ وهو رفع اليد عن الشخص المغضوب عليه ويصبح منبوذاً من الجميع وإذا قتله أى أحد ليس له دية ولا يتعرض قاتله للعقوبة
«حسن»: الدولة أهملت الوديان وأصبحت العلاقة جافة لعدم عقد لقاءات وبحث مشكلات الأهالى.. ونقص المياه عائق أمام حلم تعمير الوادى
أكبر مشايخ «سبتة»: كنا نعتمد على السياحة والآن نحاول الاتجاه للزراعة وننتظر حفر بئر وسدود على الجبال حتى لا نترك الوديان فارغة


رأس مثلث نارى شكّلته براكين وصهور منذ نحو 4 مليارات عام، انتهت وبردت صخورها وتصلبت وتركت لنا جبالاً شاهقة الارتفاع مجوفة بكهوف عميقة، وبين سفحها وديان فسيحة وصغيرة وممرات ودروب معقدة لا يحفظها إلا من ولدوا بين ثناياها. احتضنت هذه البقعة كميات هائلة من الشعاب المرجانية وجعلتها مقصداً لملايين السياح، ومن أكثر البقاع بهجة بمناظرها الخلابة. جبالها العالية العصية طبعت أهلها بطابع القوة والبأس فى مواجهة الإرهاب، وضيقت على الإرهابيين فى الشمال السبيل إلى أهدافهم التخريبية فى الجنوب. وفى حين ترابط القوات الأمنية على الطرق الأسفلتية بأكمنة ثابتة ومتحركة، تحول بين كل مشبوه أو إرهابى والعبور إلى جنوب سيناء، تتولى القبائل التى تقطن الوديان حماية الدروب والممرات التى قد يحاول أى غريب التسلل من خلالها دون المرور على الأكمنة الأمنية، لتحول بذلك بين الإرهاب والمنطقة الجنوبية فى سيناء. تعود أصول هذه القبائل إلى الجزيرة العربية، وقد أتى على حكم سيناء الأتراك ثم الإنجليز ثم الإسرائيليين، ولم تترك تلك القبائل هذه الوديان أو تغادرها، بل ظلوا قابعين بين جبالها إلى أن عادت سيناء إلى السيادة المصرية فى أعقاب حرب أكتوبر عام 1973، ومنذ ذلك الحين وهم يساهمون فى جهود تعميرها حتى جعلوا من إحدى بقاعها الصفراء جنة خضراء تعج بالحياة فى مدينة الطور، بينما لا يزال المرابطون فى الوديان عيوناً للدولة المصرية فى حماية جنوب سيناء من تسلل الإرهاب.

 شيوخ القبائل: الأرض عرض.. ومتمسكون بها إلى الأبد.. رجال الوديان يتولون حماية الدروب والممرات لمنع تسلل الغرباء وهروبهم من الأكمنة


على «مربوعة» مسقوفة تطل على أرض واسعة ينتهى النظر فيها إلى جبال عالية فى وادى «الأعوج» بالطور، وأسفل سقف من جريد النخل المستند على جذوع نخل طويلة، يجلس شيخان من أكبر مشايخ قبيلة المزينة، أكبر قبائل سيناء وأكثرها عدداً وسيطرة على مساحات كبيرة من الوديان والأراضى، وذات الأهمية الجغرافية والاستراتيجية.

بجسد ووجه ممتلئ يطل بنظرات محدقة ثاقبة إلى اليمين واليسار، يراقب سليمان أبوبريك، أحد كبار مشايخ «المزينة»، أطراف الوادى الكبير الذى تُزرع فيه مساحات متنوعة من الفواكه والخضراوات، هو الآن يُطور من نشاطه البدوى، حيث اضطر إلى الاستفادة من صلاحية أرض الطور للزراعة والرى وإحداث تنمية حقيقية فى جنوب سيناء، وهو النشاط الذى لم يغير من طبيعته هو وقبيلته من مرابطة الأرض ومراقبتها جيداً.

يوضح «أبوبريك» أن جنوب سيناء تقع غالبيتها فى قبضة قبيلة المزينة، أكثر القبائل عدداً وانتشاراً فى الوديان التى تقع بين شمال وجنوب سيناء، شارحاً الطبيعة التى تعيش فيها القبائل بجنوب سيناء بأنها طبيعة مرابطة الأرض، وليس الترحال خلف العشب، مقسماً القبائل إلى 7 قبائل رئيسية يطلقون عليها قبائل «الطورة» نسبة إلى طور سيناء، تشمل قبائل: «المزينة، العليقات، القرارشة، أولاد سعيد، حماطة، الجبالية، الصوالحة»، إضافة إلى عدد من القبائل الحديثة التى وفدت من الجزيرة العربية، وهى قبائل: «الحويطات، وبنى واصل، والمساعيد، وقبائل أخرى».

«أبوبريك»: نحمى المحافظة من الإرهاب.. ونزرع التدين الحقيقى فى أولادنا ولا نسمح لإرهابى أو مخرب يفوت على الوديان.. وكنا عيون الجيش المصرى وقت الاحتلال الإسرائيلى وما زلنا عيونه فى الدروب وجنوده وقت الشدة.. والأرض مثل الزوجة والبنت وما نترك أحداً يعتدى عليها

وعن أصول القبائل المرابطة فى جنوب سيناء، يضيف الشيخ أن حالة من الجفاف والجوع الشديد ضربت الجزيرة العربية أيام الإغريق، والكثير من القبائل هربت من الجزيرة العربية وسكنت واستوطنت سيناء لتوافر المياه والعشب فيها، وهى التى استمرت فى المرابطة على الأرض حتى يومنا هذا، مؤكداً أن تقسيم القبائل تم بين من أتى وسكن سيناء بالأسبقية، ولكن كل مجموعة من القبائل اتحدت وكوّنت فريقاً، وبعدها قسموا الأرض على القبائل السبع الرئيسية فى جنوب سيناء، وأصبحت كل قبيلة مسئولة عن نطاق حدودها من حيث التأمين وإدارة المكان، حيث رابطت «المزينة» فى الطور وشرم ودهب وجزء من نويبع، بينما بقية القبائل تمركزت فى بقية الجنوب كسانت كاترين والطور وأبورديس وأبوزنيمة وسدر وطابا وما بها من وديان، مؤكداً أن هذا التقسيم لا يمكن تغييره أو تبديله أو إزالته إلى الأبد، وأنه مر على هذه القبائل أجيال وأجيال وحكام كثيرون واحتلال، لكن لم تؤثر كل هذه الظروف التاريخية فى تقسيمة القبائل فى الجنوب أو حتى فى التخلى عن جزء من الأرض أو التقاعس عن حمايتها، قائلاً: «الأتراك حكمونا، والإنجليز حكمونا، والإسرائيليون حكمونا، لكن ما تركنا الأرض ولا نسمح بالمغادرة، نحن نمسك الأرض إلى الأبد، ووقفنا أمام الإسرائيليين حتى تعود الأرض إلى الجيش المصرى، لأننا مصريون قعدنا فى أرض مصرية واتولدنا فى أرض مصرية فصرنا مصريين».

ويضيف «أبوبريك»: «الإسرائيليون تمكنوا من الإمساك بالجواسيس البدو واعتقالهم وحتى الآن ما أعلنوا عن مصيرهم»، مؤكداً أن مساعدة قبائل جنوب سيناء كانت كبيرة جداً، وأن القادة الكبار فى الجيش المصرى الذين عاصروا الحرب شاهدون على المجهودات التى بذلتها قبائل الجنوب فى تصوير ورصد المعدات والجنود الإسرائيليين خلال فترة الحرب، وأن الجيش المصرى قبل حرب أكتوبر ما كان يتمكن من معرفة أعداد اليهود على الأرض ولا معداتهم إلا من خلال بدو على الأرض ينقلون إليه المعلومات.

وحول ما أشيع من استغلال البدو بعد النكسة الوضع ومبادلة الجيش المصرى المياه مقابل السلاح، يقول: «بالله عليك يا شيخ واحد معه قربة مياه وواحد معاه سلاح أيهما أقوى ومين اللى يده أعلى؟ هى إشاعات لبث الفرقة بيننا وتصويرنا على أننا خائنون، لكن الحقيقة معروفة، كنا نساعد الجيش، والتاريخ كله مدون، نحن عيونه فى الوديان وجنوده وقت الشدة، أذكر لك أنه فى الثغرة كان هناك 800 جندى تمت محاصرتهم، لكن بفضل الله تم إرجاعهم بأسلحتهم كاملة، بعد أن لبّسناهم لبس بدو وعبرناهم، وأعدناهم لصفوف القتال، وكبدوا الإسرائيلين خسائر وانهزموا»، مشيراً إلى أن قبائل الجنوب طوال عمرها تعتز بمصريتها ولم تسمح لإرهابى أو محتل بأن يسيطر على أرضها.

ويضيف «أبوبريك»: «الناس فى الوديان يحفظون الأرض، ولا يسمحون لأحد بالمرور عبرها إلا إذا كانوا يعرفون شخصيته، وإلى أى مكان يقصد، ولمَ يريد أن يعبر»، موضحاً أن طبيعة القبائل فى الجنوب هى طبيعة هادئة لا تميل إلى العنف أو التطرف، وأن العرف ينبذ كل من يميل إلى التطرف أو الخروج عن العادات والتقاليد، شارحاً الطريقة التى يعاقب بها كل مخالف لأعراف القبيلة، قائلاً: «اللى يخرج عن عرفنا وطوعنا ويتمرد علينا نخرجه من القبيلة، ونشمّسه، والتشميس يعنى الطرد من القبيلة ورفع الإيد من عليه، ويكون بذلك ليس منا، وإذا اعتدى عليه أى حد ما ندافع عنه، ويكون منبوذاً من الكل، وما فى قبيلة تقبله»، موضحاً أن «الشخص الذى يتم تشميسه ليس له دية، وإذا أنا قتلته ممكن بعدها أجلس مع أخيه دون أن يعترضنى أحد، بل يقدم لى واجب الضيافة، وكأن شيئاً لم يحدث، هذه أعرافنا التى ندير بها أمورنا، ومن يخرج ويذم بلدنا، ما نسيبه بينا ونطرده».

وتابع «أبوبريك»: «الحكومة تنسق مع عدد من أبناء القبائل لنقل أى معلومات عن أخطار محتملة أو أى أشخاص غرباء يمرون من الوادى أو يحاولون الاستقرار بالقرب منه، وجميع أفراد القبيلة من أنفسهم يرشدون عن أى شخص غريب يدخل المكان»، مستدلاً بالحادث الأخير الذى استهدف كميناً بمدخل دير سانت كاترين فى أبريل الماضى، حيث كانت سيدة بأحد الوديان هى من أرشدت عن الإرهابى الثانى الذى شارك فى تنفيذ الهجوم.

ويضيف: «نزل الإرهابى من الجبل وراح لسيدة كانت خارج العرشة، وسألها على مياه، مشيراً إلى أنه عطشان فقالت له روح على المسجد فيه مياه، وفى لحظتها أبلغت زوجها الذى أبلغ الأمن وتمت محاصرته والإيقاع به»، مؤكداً أن كل البدو بمثابة عيون للحكومة فى الوديان التى لا توجد بها قوات أمن، مشيراً إلى أن التأمين يكون عن طريقين، الأول وهو الطريق الأسفلتى وتوجد به الأكمنة، والثانى وهو الأصعب فى الوديان، بين الجبال، وهذه المدقات والدروب يؤمنها جيداً أبناء القبائل وسكانها، حيث لديهم استراتيجية واضحة فى تأمين الوديان من أى إرهابى وكشف الغرباء.

«أمن الوديان» تأسس فى 2006 من أفراد القبائل وكان يرابط معه عناصر من الشرطة خلال المؤتمرات الدولية بشرم الشيخ.. وأهالى الوديان يحفظون الأرض ولا يسمحون لأحد بالمرور عليها إلا إذا كانوا يعرفون شخصيته.. «المسعودى»: التنسيق الأمنى مع «أمن الوديان» كان جيداً خلال حكم «مبارك».. والآن فى أسوأ مراحله ويتعرض أفراده للتفتيش على الأكمنة.. وأول إصدار لبطاقات الهوية كان فى 2006 وبعدها لم تصدر بطاقات جديدة


وشرح شيخ «المزينة» الطبيعة الجبلية فى الجنوب بأنها تختلف عن الشمال لوجود جبال شاهقة الارتفاع، وبينها وديان، ثم هضبة التيه تتوسط سيناء، وهى صعبة ولا يمكن المرور من شمال سيناء إلى الجنوب إلا عن طريق الوديان التى تسكنها القبائل وترابط فيها جيداً، لأنه يصعب على أى شخص أن يتسلق الجبال شاهقة الارتفاع، ودور هذه الجبال يتركز فى حصر الممرات فى وديان منبسطة ودروب جميعها فى قبضة القبائل، قائلاً: «عندك وديان كثيرة كبيرة تمتد من الوسط إلى جنوب سيناء مثل وادى الأخضر، ونقب الظلل، ووادى غزالة، ووادى وتير، ووادى العاط، وكلها وديان يمكن أن يسلكها الإرهابى حتى لا يفوت على الأكمنة الموجودة على الطريق، لكن لا يستطيع أن يسلكها بسبب أهلها، لذلك ما تجد أحداً يقدر ينزل إلى الجنوب، ونحن لنا سمعتنا فى مواجهة أى معتد أو مخرب، وكل قبيلة مسئولة عن نطاق حدودها»، لافتاً إلى أن لكل قبيلة مساحة سيطرة، إذا وقعت فى منطقتها أى مشكلة تكون هى المسئولة عنها.

ويشير «أبوبريك» لوقائع تصدى فيها بدو الجنوب لمعتدين ومخربين، ضارباً المثل بحادث وقع منذ سنوات قليلة من اختطاف مهندسين وسياح فى مدينة نويبع التى تقع على خليج العقبة على أيدى بدو من الشمال، وبعدما علم كل البدو فى الجنوب بالواقعة نصبوا أكمنة فى الوديان وحاصروهم حتى ألقوا القبض عليهم وحرروا المهندسين والسياح المختطفين، وكان الخاطفون من قبيلة الترابين، وقام بدو الجنوب بعمل جلسة عرب و«ركّبوا» أهل الخاطفين الحق، وكان بعض المشايخ وكبار قبيلة الترابين استنكروا الحادث وألقوا باللوم على أبنائهم، متابعاً: «قبيلة الترابين فيها مشايخ كبار ما يرضون بالغلط، وكانت قبيلة القرارشة هى من ألقت القبض على الخاطفين».

«ذكرى»: الجنوب ملىء بالجبال المرتفعة والكهوف ويصعب على الطائرات اصطياد أى إرهابى فيها.. وتلك هى مهمتنا

وعن احتمالية تسلل الفكر المتطرف إلى بدو الجنوب، يؤكد «أبوبريك» أن هذا الفكر لا يمكن أن يعتنقه أو يتأثر به أحد أبناء الجنوب لأن طبيعتهم سلمية ووطنية إلى حد كبير بخلاف العادات والتقاليد التى تمنع هذا الفكر، مشيراً إلى أن القبيلة لا «تشمّس» فقط صاحب الفكر المتطرف أو الإرهابى، بل وحتى أى شخص تظهر عليه علامات الإجرام أو البلطجة، مشيراً إلى واقعة خطف أحد أبناء قبيلته للسيارات وقيامه بعمليات سطو مسلح على الطريق، والتى أرشد فيها والده عنه وتم تسليمه للشرطة.

ويستنكر «أبوبريك» التعامل الأمنى من جانب بعض رجال الشرطة مع أبناء البدو، حيث إن بعضهم يسألون عن الهوية، ويقومون بالتفتيش أكثر من مرة دون داع، رغم أنهم يعلمون هوياتهم، وأنهم من أبناء القبائل ويحمون الوديان، معلقاً: «يسألونا وين بطاقتك وين جنسيتك، نحن مصريين من الأصل ما نحتاج لبطاقة، ومؤتمر الحسنة رفض فيه البدو محاولات إسرائيل إعلان استقلال سيناء عن مصر، والتاريخ يؤكد أننا مصريون، وذلك عندما أعلنا هويتنا المصرية، ورفضنا الاستقلال بإيعاز إسرائيلى»، مشيراً إلى أن هناك ضغطاً كبيراً من جانب الشرطة والمحليات تجاه أبناء الجنوب فى الفترات الأخيرة، وبعض قرارات الإزالة تتم بطريقة غير صحيحة، مؤكداً تأييده لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى وأنه لصالح البلد وأنه لا أحد فوق القانون، وأن من حق مصر أن تسترد كل أراضيها من كل معتد عليها وواضع يده، قائلاً: «كلام الرئيس صحيح، لكن اللى بينفذ بينفذ غلط، ويتعدى على الناس، هنا فيه أراضى كانت مزروعة والزرع طارح، بدل ما تيجى تشيل الزرع من جذوره خذه واعطيه للغلابة، أو خليه يدفع غرامة ويتملك الأرض».

وعن جهود البدو فى التعمير، أضاف: خلال فترة الاحتلال الإسرائيلى لم يقم البدو فى جنوب سيناء بأى أعمال تعمير، وإنما بدأوا فى تعمير الجنوب ومساعدة الحكومة فى ذلك بعد استعادة سيناء، قائلاً: «والله تعبنا كتير واتحرمنا من التعليم وعشنا حياة صعبة، وحافظنا على الأرض، والأرض عرض، يعنى الأرض مثل زوجتك ما تترك حد يتعدى عليها».

وإلى جانب «أبوبريك» كان يجلس «ذكرى محمد موسى»، أحد مشايخ قبيلة المزينة، حيث أشار بيديه إلى المنطقة التى نجلس فيها، وقال: «هل تتوقع أنك تجلس فى نفس الممر اللى مر منه نبى الله موسى»، ويرفع يديه ليشير إلى الجهة الغربية باتجاه خليج السويس، ويقول: «عبر من هناك ومر بالظبط من الأرض إللى احنا جالسين فيها هذه، وذهب باتجاه هذه الجبال وراح على سانت كاترين، وبعدها رجع على التيه وعاد على سانت كاترين مرة أخرى».

وعن الدليل على مرور «موسى» من المكان الذى كنا نجلس فيه تحديداً، أشار بيده إلى الجهة الغربية تجاه خليج السويس، قائلاً: «هناك بير يحيى، والبير ده كان قناية بيفوت عليها الناس زمان، فيه حمام موسى، وكان يسير موسى عطشان، وما كان فيه زرع، فراح على البير وجد سيدة عجوز فاستأذنها لكى يشرب، لكن خدعته وقالت له إن البير مُر، وهو يعلم أن البير عذب، فقال اللهم اجعله مراً، فتحول البير بدعاء النبى إلى مياه مُرة، وحتى الآن تشرب فتجد المياه فيه مرة».

حل النزاعات الداخلية يكون عبر جلسات عرفية بين كبار المشايخ.. والشخص المتطرف يتم «تشميسه» ونبذه

ويتحدث «ذكرى» عن دور القبائل فى حماية الوديان من أى غرباء مقبلين من الشمال، قائلاً: «الوديان الاستراتيجية اللى توصل الشمال بالجنوب ما بها قوات أمن لأنها ما بين جبال عالية، وإذا بها إرهابيين يصعب على الطائرات اصطيادهم وسط الجبال المرتفعة والكهوف، وأى رقابة أمنية على هذه المناطق تكون من خلالنا أولاً، لأننا نحفظ المكان ووُلدنا فيه، وأيضاً لأننا ما نريد أى تخريب فى البلد».

وحول ما إذا كان الدافع الذى يدفع أهل الجنوب إلى حماية الوديان من الغرباء أو الإرهابيين هو حماية السياحة التى يعملون فيها، نفى «ذكرى» هذا الدافع قائلاً: «لو كان الدافع هو حماية السياحة فقط، فإن أعداداً كبيرة من أهل الجنوب ما يشتغلون فى السياحة ويعيشون على الرعى، ومنهم من يزرع الآن، وما هدفنا فلوس، نحن وطنيون هدفنا حماية البلد ومصر من أى خطر، ولو كان هدفنا مادى لكنا تعاونا مع الإسرائيليين، وكانوا يدفعون الكثير، وأبسط شىء كنا سلمنا الـ800 جندى مصرى وقت الثغرة، وكنا خدنا سلاحهم، لكننا نحميهم لأننا وطنيون، بدنا نعمّر البلد ونحرسها».

ويضيف «ذكرى»: العرف يحكم جنوب سيناء بشكل كامل، وإذا كانت بعض العادات تغيرت قليلاً فإن التغييرات لا تمس أصول حماية الأرض والوطن، موضحاً أنه فى العقود الماضية كان العار يلحق بمن يتزوج من أجنبية غير بدوية ومصرية، ذاكراً واقعة زواج أحد البدو من سائحة أجنبية، حيث قام والده بتقييده فى نخلة تتوسط الوادى وخلع ملابسه وجلده، إنما الآن أصبحت ظاهرة زواج الأجنبيات موجودة دون عقاب، لكن رغم التغيير الذى يحدث من حيث العادات وانتشار التكنولوجيا، لم تتأثر قناعات بدو الجنوب بحماية الأرض، فلم يترك أحد أرضه ولم يترك أحد الوادى يسكنه أو يمر فيه غرباء، وحتى الآن كل قبيلة مسئولة عن نطاق سيطرتها.

وعن استغلال البدو لأراضى الطور الصالحة للزراعة، يضيف «ذكرى»: «أرض الطور بها مزارع كبيرة، والأرض أصبحت تنتج خضراوات وفواكه استغنى بها الجنوب عن المحاصيل الزراعية التى كانت تأتى من الدلتا والصعيد، والبدو فى أول سابقة أصبحت لديهم أبقار وجاموس بعدما كانوا طوال حياتهم يربون فقط الماعز والغنم والجمال»، مشيراً إلى أن استصلاح الأراضى فى الطور جعل هناك مساحات شاسعة من الأراضى الخضراء، وبالتالى أصبحت هناك أعلاف للجاموس والبقر الذى يأكل كميات كبيرة من الأعلاف، بالإضافة إلى توافر الخضراوات الطازجة بدلاً من التى كانت تأتى من سوق العبور فى القاهرة.

ويتابع: «الآن نزرع الخيار ونحصده ويكون طازجاً، بعد ما كان ييجى من سوق العبور دبلان بـ6 جنيه، دلوقتى ينزل الخيار اللى بنزرعه بـ2.5 جنيه وطازج»، متمنياً أن تساهم الدولة فى التنمية الزراعية بجنوب سيناء، وخاصة فى طور سيناء، لصلاحية أرضها، وكذلك لتأمين مصدر طعام ودخل للبدو بدلاً من اضطرارهم للتنقل فى أكثر من وادٍ بحثاً عن العشب، حينما يضرب الجنوب الجفاف وتقل الأمطار.

ويستنكر «ذكرى» الطريقة التى ينفذ بها قرار إزالة التعديات على أملاك الدولة، مشدداً على تأييده لقرار الرئيس السيسى بإزالة التعديات واستعادة أملاك الدولة بشكل كامل، لكنه يرى أن الطريقة التى ينفذ بها رجال المحليات الإزالة غير صحيحة وعشوائية وتهدد العلاقة بين الأمن وبدو جنوب سيناء.

شيخ قبيلة: سيدة بدوية أرشدت عن منفّذ حادث سانت كاترين.. وكل أبناء بدو الجنوب تربوا على التعاون الأمنى مع القوات المصرية ويرثون ذلك عن آبائهم

على بُعد نحو 140 كيلومتراً من الطور انطلقنا نحو وادى «سبتة» الذى يقع على يسار طريق «محلجة» المتجه مباشرة إلى دهب، وبمجرد وصولنا إلى شرم الشيخ كان فى انتظارنا أحد أبناء قبيلة «المزينة» حسن سالم، فى العقد الثالث من عمره، ليصطحبنا إلى الوديان القابعة خلف مدينة شرم الشيخ، وهى أكثر الوديان قرباً من مدينة شرم الشيخ التى يسكنها البدو. يتحدث «حسن» عن الطبيعة القبلية فى شرم الشيخ وما تعانيه المدينة من انهيار فى قطاع السياحة، وهو القطاع الذى كان يعتمد عليه غالبية بدو شرم الشيخ، مشيراً إلى أن الدولة أهملت أهل الوديان دون أن تقدم لهم أى مساعدات غذائية أو حتى بنية تحتية من حفر آبار وسدود على الجبال لتحتجز المياه، إلى جانب «المعاملة الشرطية» لأبناء الجنوب التى ساءت بمرور الوقت، على حد قوله، مستنكراً أن يتم معاملة أهل الجنوب معاملة سيئة فى الوقت الذى يتولون فيه حماية ظهر قوات الأمن ومنع أى غرباء من التسلل إلى الوديان والجبال.

ويضيف «حسن»: شرم الشيخ بها الكثير من البدو غير الملتحقين بالوظائف المدنية الموجودة بالمدينة، وأغلبية القائمين على خدمة المحافظة من خارجها، وحتى خلال فترة تراجع السياحة لم تفكر الحكومة بالنظر إلى أهل الوديان الذين كانوا يعتمدون على السياحة بشكل كلى من خلال جمالهم التى يركبها السياح أو حتى المشغولات اليدوية التى يبيعونها للسائحين، مشيراً إلى وجود حالة من الغضب فى صفوف البدو لإهمال الحكومة لهم وعدم سماع مشاكلهم ومقترحاتهم كما كان يحدث فى السابق، من اجتماع لقيادات الأمن مع مشايخ البدو وحل مشاكلهم، موضحاً أن المشكلات التى تقع بين عدة أطراف يحلها مشايخ القبائل من خلال جلسات عرفية من دون الرجوع إلى الأمن وإشغاله بالمشكلات، بل إنه حتى بعض الأشخاص المطلوبين لدى القيادات الأمنية يسهم البدو فى القبض عليهم والإرشاد عنهم، مشيراً إلى أن البدو يمثلون خط الدفاع الأول عن الوطن فى الوديان والكهوف.

وقبل أن ينتهى «حسن» من سرد الكثير من المنغصات التى يعانى منها شباب البدو فى الوديان بشرم الشيخ، وصلنا إلى «سبتة». هذا الوادى الفسيح الذى تحده الجبال من كل الجوانب وتحتضن سكانه، وقد تمكن سكانه من بناء منازلهم من الطوب الأبيض الجيرى بعد أن أمدتهم المحافظة بالكهرباء عبر أبراج الضغط العالى المنصوبة على طول الطريق الملتوى الذى يتخلل الجبال المرتفعة، وقد بنيت منازلهم بشكل فوضوى فلا توجد شوارع أو منزل بجوار منزل، فكل بناية لها موقعها الخاص، قد تقترب بشدة من البناية المجاورة أو تبتعد كثيراً، بينما عدد قليل من الأشجار مزروعة بجوار هذه الأبنية التى يحتوى أغلبها على «مندرة» أو صالة استقبال كبيرة غير مسقوفة، وعندما وصلنا كان فى انتظارنا عدد من أبناء الوادى فى ساحة أكبر سكان «سبتة»، وهو الشيخ راضى صالح، فى العقد السابع من عمره، وكان برفقته نحو 8 من سكان الوادى وجميعهم يعملون فى السياحة، لذا كانوا متاحين للاجتماع والحديث معنا لعدم وجود عمل لهم الآن.

ويصف الشيخ «راضى» البدو هناك بأهل البيت الواحد، مشيراً إلى أن جميعهم يعرفون بعضهم، وإذا حضر أحد الضيوف لمرة واحدة يتم التعرف عليه، وإذا كرر الحضور لا يحتاجون للسؤال عليه، مشيراً إلى أن طبيعة الحياة البدوية التى تعتمد على مراقبة أغنامهم ورعيها، جعلت للبدو حساً عالياً فى المراقبة طوال الوقت، إضافة إلى الاستعانة بالكلاب فى حماية الأغنام، فأصبح للكلاب دور هى الأخرى فى كشف الغريب والنباح عليه فور رؤيته يتجول فى الوادى بدون أن يرافقه أحد الأهالى.

ويشير «راضى» إلى أنه ولد بهذا الوادى ويعيش فيه منذ أن كانت فيه البنايات من الشعر وجريد النخل، قبل أن يغادر الاحتلال الإسرائيلى وتبدأ مرحلة التعمير، موضحاً أن وديان الجنوب معروفة بحمايتها من جانب القبائل، وأن الجهات الأمنية تستعين بأهالى الوديان فى ضبط وإحكام القبضة على هذه الممرات الضيقة بين الجبال، خاصة أن الوديان مفتوحة على بعضها، لافتاً إلى أن انهيار قطاع السياحة دفع أهل الوادى إلى البحث عن وسيلة لكسب العيش من خلالها وبدأوا يفكرون فى الزراعة، خاصة أن الوادى فسيح ويمكن زراعته، إلا أن نقص المياه كان عائقاً أمام هذا الحلم.

ويؤكد «راضى» أن وجود زراعة من عدمه لم يؤثر على مرابطة الأهالى للوديان، وأنه تم توزيع القبائل على كل الوديان بحيث لا يتركون وادياً بدون حماية أو مرابطة، بحيث يستغله الغرباء أو الدخلاء غير المعروف هويتهم، مشيراً إلى أن الزراعة الآن ستحقق استقراراً أكثر فى الوادى، خاصة فى ظل انهيار السياحة، وأنه على الدولة أن توجه اهتماماتها إلى هذه الوديان وإحداث تعمير فيها، موضحاً أن أهل الوادى إذا ما خرجوا منه وتركوه فارغاً فإنه سيعد من الأخطار التى تهدد الأمن، لأن وجوده بدون سكان يسمح لأى إرهابى باستغلاله أو الاختباء فيه أو العبور من خلاله حتى لا يمر على الأكمنة الثابتة المنصوبة على الطريق أو المتحركة، مناشداً الدولة أن تولى اهتمامها بسكان الوديان، وحفر آبار لهم وسدود على الجبال لحجز المياه.

ويتابع «راضى»: «إذا فكرنا نحفر بير بجهود ذاتية هيكون الوضع عشوائى لأننا ما نعرف وين نلاقى المياه هنا أقرب ولا هنا، ويمكن نحفر وما نلاقى مياه، لكن الدولة عندها الأجهزة والمجسات إللى تكشف لهم عن موضع المياه فيحفروا ويسهلوا العمل»، موضحاً أن قيامهم بعمل سدود على سفح الجبال الصغيرة يمكنهم أيضاً من احتجاز كميات كبيرة من المياه لمدة تزيد على 6 أشهر، خاصة أن أبناء الوديان خلال هذه الفترة يبحثون عن أى نشاط آخر غير السياحة بعد انهيارها.

وعن احتمالية وجود مخاطر بسبب البطالة وتسلل الأفكار المتطرفة مستغلة هذه الثغرة، يقول: «لا يمكن لأى إرهابى أو شخص متطرف يستغل شبابنا العاطل أو الغضبان من الوضع هنا، لأننا اتربينا على الصلاة والصوم والبعد عن الحرام، والناس هنا على طبيعتها تنبذ التطرف والعنف منذ القدم حتى فى الوقت الذى يغيب فيه إمام المسجد عن صلاة الجمعة نؤم الصلاة ونحفظ الخطب الوسطية التى تدعو للتسامح وحفظ الأهل والعرض»، مطالباً الحكومة بالنظر إلى الشباب ومنحه فرصة للعمل والشعور بالوطنية من الناحية الاجتماعية فى العمل، من خلال توفير فرص ووظائف لهم فى القطاعات الحكومية أو تسهيل تملك أراضٍ لهم وزراعتها.

وعلى يسار «راضى» كان يجلس الشيخ «سليم»، 46 عاماً، من قبيلة العليقات، الذى يطلب الإذن من الشيخ «راضى» بالحديث عن الأوضاع فى وديان جنوب سيناء، قائلاً: «نحن هنا نحرس الأرض ونشعر أن علينا واجباً وطنياً، وكيف ما يقف الجندى على الحدود، نحن نرابط فى الوديان وما نسمح بعبور الغريب، ولابد أن تنظر لنا الدولة وتبحث مشاكلنا، لأن دورنا هو مساعدتهم فى بسط الأمان فى المنطقة»، مؤكداً أن دورهم فى حماية الوديان والأرض سيستمر بغض النظر عن اهتمام الحكومة بهم وحل مشاكلهم من عدمه، وأن هذا الدور لا يمكن المساومة عليه، فهو موجود من قبل الآباء والأجداد، لافتاً إلى أن روايات التعاون الأمنى مع الجيش المصرى ضد إسرائيل ما زالت تتردد بين القبائل وفى الوديان، وفى كل وادٍ تقريباً هناك قصة عن أحد الآباء أو الأجداد الذين شاركوا فى التعاون لصالح مصر ضد إسرائيل، مشيراً إلى أن الضغط الذى يتعرض له أهل الوديان يضيق عليهم المعيشة، لكن لن يدفعهم إلى تغيير عاداتهم ومبادئهم فى حماية الوطن والأرض والعرض من أى مخرب غريب.

ويضيف «سليم»: «الغلاء امتد إلى الوديان بسبب ارتفاع أسعار الوقود وكذلك الحاصلات الزراعية التى يشترونها إلى جانب توقف السياحة وانقطاع الرزق عن أغلب أبناء الوادى، وفى ظل ندرة العشب وعدم وجود المياه التى تأتى عبر فناطيس وتكون مياه تحلية من البحر لا تصلح للشرب، واصفاً الأوضاع داخل الوديان بـ«الصعبة»، خاصة فى ظل عدم اكتمال الدعم التموينى لأبناء الوادى، وأن هناك أعداداً كبيرة غير مقيدة على بطاقات التموين، مشيراً إلى أن العادات البدوية لم تكن تهتم بعقد وثيقة زواج بين الزوج والزوجة، وكان العُرس يتم بالمشاع بين القبيلة فى الوادى، لذا كان هناك الكثير من أهل الوادى لديهم أبناء وبنات دون أن يكون لديهم وثيقة زواج ودون أن يكون لأبنائهم إثباتات شخصية، ما دفع أهل الوادى إلى تسجيل أسمائهم وعمل وثائق زواج وبطاقات شخصية للاستفادة من الدعم التموينى، إلا أن الروتين الحكومى وتقاعس الموظفين لم يسمح بوصول الدعم إليهم، على حد قوله.

ويؤكد أن هناك رغبة من أبناء الوادى فى الزراعة والاستقرار فى الوادى، وهم فى انتظار أى تحرك حكومى فى تنمية هذه الوديان وإحلال الزراعة فيها لتصدير الحاصلات الزراعية إلى الوادى، بدلاً مما يحدث الآن من شراء الطعام من حصة الوادى وصعيد مصر.

أما عبد الله عيد، 21 عاماً، أحد أبناء الوادى، فيأخذنا فى جولة داخل الوادى الذى يندر فيه العشب، مشيراً إلى أنه يضطر إلى جلب أعلاف من خارج الوادى أو ركوب الجمل والتجول فى الجبال المحيطة لرؤية أعشاب قد تصلح مصدراً لغذاء الأغنام والماعز فى القرية، أو حتى الذهاب إلى منطقة المحرقة التى تعد منطقة للنفايات وبقايا طعام الفنادق، لجلب طعام للأغنام، مشيراً إلى أن الجمال أصبحت لا تخرج من الوادى بعدما كانت تذهب إلى شرم الشيخ للعمل فى السياحة والتجول فى وادى الخروم، أو بين جبال وادى العاط الذى يحيط بجزء كبير من شرم الشيخ.

ويتسلق «عيد» بنا إلى تبة على أطراف الوادى، مشيراً بيده إلى الطرف الآخر من الوادى، ويقول: «هذا الاتجاه يذهب إلى شرم الشيخ، وهذا الاتجاه يذهب إلى كاترين، والاتجاه الآخر يذهب بنا إلى دهب، الوادى محاط بالجبال، ولكن خلف الجبال يوجد دروب قد يتسلقها أحد من وادٍ إلى وادٍ ومن موقع إلى موقع»، مشيراً إلى أن هذه الوديان يأتيها عدد من البدو ولكنهم معروفون بتعاونهم مع الأمن ويسمون أمن الوديان، وهم يقسمون الوديان فيما بينهم، قائلاً: «بيمر هنا حرس الوديان وهم بدو من القبائل نعرفهم، ولو لاحظنا أى شىء أو شخص غريب فات من الوادى، بنبلغ أمن الوادى وهو يبلغ الحكومة، أو نبلغ الحكومة لو ما لاقيناه».

ومن وادى إلى وادى «العاط»، قطعنا الطريق حتى نلتقى بأحد أفراد «أمن الوديان» الذين يتولون رسمياً حماية هذه الوديان وإبلاغ الأمن عما يجرى فيها، واستراتيجيتهم فى حمايتها وكشف الغرباء بها والتحرى عنهم ومعرفة وجهتهم وأهدافهم.

بجلباب أبيض وعمامة بيضاء يثبتها على رأسه وعقال أسود، يجلس «سالم مسلم المسعودى»، فى عرشة وحيدة منصوبة فى أطراف وادى العاط بين مدينتى شرم الشيخ والطور، هذا الوادى الكبير يسمح لأى شخص بالهروب من الأكمنة المنصوبة على الطريق بين هاتين المدينتين لكنه لم يخلُ من أفراد أمن «الوديان» وأبناء القبائل المرابطين طوال الوقت فى هذا الوادى، شرح لنا «المسعودى» تاريخ تأسيس هذا الكيان المسمى بـ«أمن الوديان» ليصبح أداة رسمية فى التعاون الأمنى بين القبائل فى الوديان وقوات الأمن، وهو الكيان الذى تأسس قبل أكثر من 10 سنوات.

«المسعودى» الذى ينحدر من قبيلة المساعيد، إحدى قبائل شبه الجزيرة العربية، التى هاجرت من الجزيرة العربية إلى سيناء 636 هجرياً، ويرجع نسبها لبنى هذيل ومنها مسعود ابن هانى الصحابى الذى نسب إليه إطفاء نيران بلاد فارس، حسب قوله، هو أحد أفراد أمن الوديان، وهو ذو خبرة فى التعامل مع الدروب الجبلية فى جنوب سيناء بل إنه يحفظ غالبية الدروب فى الوديان التى تقع خارج دائرته، وكان من أوائل المتعاونين مع قوات الأمن ويحمل أول بطاقة هوية صدرت من جانب المحافظة تشير لكونه أحد أفراد ذلك الكيان الجديد الذى تأسس عام 2006 لمعاونة القوات الأمنية فى مراقبة الوديان، مشيراً إلى أن التنسيق كان يجرى بشكل أوسع خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وخاصة خلال عقد المؤتمرات الدولية الكبيرة فى مدينة شرم الشيخ، وأن الأمن كان يترك لهم مهمة الوديان طوال الوقت، لكن فى أيام المؤتمرات يعزز وجودهم بالوديان من خلال مرافقة أحد أفراد الأمن معهم لزيادة التأمين، موضحاً أن الوضع اختلف بعد الثورة فأصبح يصدر لديهم تصريحات بالتجول فى الوديان خلال مدة المؤتمر فقط، مشيراً إلى أنه بعد الثورة تراجع دور أمن الوديان لعدم التنسيق الأمنى الجيد ووجود صعوبات فى أداء عملهم، خاصة بعد قرار منع سير سيارات الدفع الرباعى.

ويشير «المسعودى» إلى أنه تحدث إلى أحد المسئولين، طالباً أن يكون لسياراتهم علامات وأرقام محددة معروفة لدى الجهات الأمنية التى تفتش على الأكمنة بجنوب سيناء، ووضع علامات كبيرة على السيارة، لافتاً إلى أن هذا المسئول أبدى إعجابه بالفكرة ولكنها لم تنفذ، مشيراً إلى أن عدداً من الوديان أصبح فارغاً بسبب منع سيارات الدفع الرباعى لصعوبة الوصول إليها وفحصها، موضحاً أن كل سيارة لها حد فى السير إلى هذه الوديان، فالسيارة الملاكى العادية لها حد معين فى الاقتراب من الوادى، والسيارة النصف نقل لها حد أكبر من الملاكى، أما سيارة الدفع الرباعى فلها القدرة على الوصول إلى الوديان البعيدة وذات الأهمية الاستراتيجية، مؤكداً أن التعاون مع قوات الأمن أصبح غير جيد مقارنة بالسنوات التى سبقت ثورة 25 يناير، وأنهم هم أنفسهم يواجهون بعض الصعوبات فى التعامل مع الأكمنة الشرطية، حيث لا يعرفهم أفراد الكمين، خاصة أنه لم يتم تجديد الكارنيهات الصادرة لهم.

ويشير «المسعودى» إلى أن أول إصدار لبطاقات الهوية كان فى عام 2006 ومن بعدها لم تصدر أى بطاقات، حتى بعد مطالبة أفراد أمن الوديان بتغيير تبعية الكيان ليكون تابعاً لوزارة الداخلية بدلاً من محافظة جنوب سيناء، لأن التعاون بين أمن الوديان والداخلية مباشرة ولا علاقة للمحافظة بأى معلومات أمنية عن أوضاع الوديان وما يجرى فيها وزائريها ووجهتهم، لافتاً إلى أنهم ممنوعون من حمل السلاح للتعامل مع أى أخطار مباشرة، وأن دورهم فقط يقتصر على الإدلاء بالمعلومات الأمنية، قائلاً: «غير مسموح لنا بحمل السلاح لكن دورنا تبليغ الداخلية بالمعلومات والاستفادة من خبرتنا بدروب جنوب سيناء ووديانها، وهى مقسمة على أفراد كيان أمن الوديان، والقبائل تتعاون معنا لأنها تعرف هويتنا واتصالنا المباشر مع الأمن، وإذا وقع أى شىء غريب يبلغوننا ونحن نتحرك للخروج فى مناطق بها شبكة اتصال جيدة ونجرى اتصالاتنا».

ويضيف «المسعودى»: عدد أفراد أمن الوديان فى شرم الشيخ 48 فرداً موزعون على 30 وادياً رئيسياً إلى جانب الوديان الفرعية الأخرى، وكل أفراد القبائل تعرف الـ48 فرداً، وأنهم الآن يحملون على عاتقهم زيارة الوديان الصغيرة التى تختبئ بين الجبال بعد أن تم هجرها من جانب السكان بسبب قرار منع سير السيارات رباعية الدفع، لأن وجودها فارغة يشكل خطراً من اختباء عناصر إرهابية فيها، أو أشخاص محكوم عليهم بقضايا أو هاربين من تهم ويشكلون خطراً على أمن جنوب سيناء، مستنكراً مستوى التعاون الأمنى الذى انحدر إلى أدنى مستواه، مؤكداً أن أفراد أمن الوديان مستاءون من التعاون الأمنى، وإيقافهم فى الأكمنة وعدم معرفة أفراد الكمين لهم، بل ويصل الأمر إلى تفتيشهم شأنهم شأن بقية أفراد القبائل، معلقاً: «زمان ما كان الأمن يفتش أبناء القبائل، كان هناك تنسيق جيد وكل أهل القبائل نظيفين ليس بهم أى شخص يشكل خطراً، بل على العكس كانوا جميعاً بمثابة حصن يحرس جنوب سيناء ويحمى الأمن من أى تعدٍ عليهم، مثلما حدث خلال ثورة يناير، حيث لم يتأذَّ أى أحد من أفراد الأمن ولم تسرق أى من ممتلكاتهم، وقعدنا على الأكمنة وحمينا الأقسام ولم يسرق مسمار واحد فى شرم الشيخ رغم أن بها كنوزاً ثمينة»، مشدداً على أن أفراد أمن الوديان وأبناء القبائل سيظلون يحرسون الوديان ويدفعون أى خطر بغض النظر عن تعامل الأمن الجيد معهم أم لا، لأنها طبيعة تربوا عليها ولأن الأرض «عِرض»، حسبما يؤكد.

7 قبائل تُرابط فى جنوب سيناء لدحر الإرهاب
محرر «الوطن» مع أحد أفراد أمن الوديان
وديان فسيحة فى جنوب سيناء لا يحفظها إلا القاطنون بها
حسن سالم 
سالم مسلّم 
كارنيه عضوية أمن الوديان
عبد الله عيد 
ذكرى 
سليمان أبو بريك

الوطن ، العدد 1869 ، الأحد 11 / 6 / 2017 م الموافق 17 / رمضان / 1438 هــ 
http://www.elwatannews.com/news/details/2192425

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق