تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الجمعة، يوليو 06، 2012

نسب المساعيد وديارهم القديمة للأستاذ حاتم عبد الهادي

فى ديار المساعيد القديمة



المساعيد قبيلة بدوية عريقة ؛ ضاربة فى الأصالة والقدم ؛ لها مالها من قبائل البادية العربية ؛ وعليها ما عليها من ذلك ؛ أي أنها جزء من نسيج متلاحم من العرب كلها ؛ ومعنى ذلك أن شجرة النسب فيهم متجذرة ومتأصلة فى شجرة البداوة العربية الضاربة فى الأصل بجذور ثابتة تؤكد عروبتها الشامخة ؛ وفى هذا أعظم نسب ، وأشرف مكانة اذ كان من العرب الأنبياء والرسل ، وكان اَخرهم خير نسب لخير خلف سيدنا محمد بن عبدالله القرشى عليه أفضل الصلاة وأذكى السلام ؛ فالانتساب للعرب والعروبة أسمى مقاماً ، وأعز شأناً ، وأرفع مكانة بين الأمم ، وفى هذا فإن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يفاخر بنا بين الأمم ، فالفخر كل الفخر لمن هو عربي وبدوي ، فالبداوة هى الصورة العظيمة والسمة الأساسية لكل من هو عربى ، وهى الهوية والتراث والمجد والفخر وشرف النسب ؛ وتعزى هذه العظمة وذلك الفخار الى القيم العربية الأصيلة ، فى الصدق والمحبة، ونصرة المظلوم وشيوع العدل والحرية ، واحترام مكانة الانسان وآدميته ، واعطاؤه حقوقه دون تغيير أو تبديل ؛ بل ودون تفاخر إلا بالاسلام والتقوى ، وما الشرف العظيم الذى تحلى به العرب سوى إعلائهم للتقوى ، وايمانهم بالعدل واحترامهم للقيم الانسانية العظيمة ؛ لذا كانت الحضارة العربية على بدواتها - بداية - حضارة سامية ، وعظيمة تعلى من قيمة الانسان وعندما جاء الاسلام وحد بين البشر وصهرالأنساب والأحساب : لا فرق بين عربى ولا أعجمى الا بالتقوى ؛ بل ساوى بين السادة والعبيد ، وقصرالشرف والفخر لكل من ينتسب للاسلام ويعلى من شأن المسلمين ، فتحول العرب من العصبية القبلية الى العصبية الاسلامية لاعلاء دين الله فى الأرض ونصرة نبيه ودعوته ، فاستحق العرب المكانة الرفيعة لانتسابهم للاسلام واحتضانهم للدعوة وللرسول العظيم صلى الله عليه وسلم .
ولا يدعو الاسلام بداية للتفاخر بين الناس بالنسب ؛ بل يدعو الى شرف النسب والتحلى بالصفات الحميدة ؛ ولا شك أن الأخلاق تعلى من قيمة الفرد أمام الجماعة ، وتعلى نسب الفرد التقى ذا الصفات الحميدة فيصبح مثار فخر واحترام بين الناس ، واذا انتشرت هذه الفضائل بين أفراد القبيلة تكون لها الكلمة المطاعة بين الناس ، ويكون لهم الأمر، وفيهم السيادة ، ومن هنا جاء الاهتمام بعلم النسب لأنه فخر بالمآثر العظيمة ، وليس الغرض منه التكبر على الناس بكثرة العزوة والرجال ، بل بشرف الكلمة ، ونبل المقصد ؛ والرحمة واشاعة العدل بين الناس ، لذا اختص الله من الناس أناساً لقضاء حوائج الناس ، وحل مشكلاتهم ، وفى هذا شرف وعظمة ، والى هذا الشرف وتلك العظمة يعزى الانتساب لعلم النسب ؛ اذ مما لاشك فيه أن النسب الشريف يتدافع اليه الناس ، وتلك لعمرى غاية سامقة .
هذا ولم يمنع الاسلام التفاخر بالأنساب والأحساب ؛ بل أنه حث الانسان عندما يتخير زوجة له ، لأحد أبنائه وبناته أن يتحرى شرف النسب فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ، وفى هذا تطهير للشخص وامتداد لحياة الانسان .

ولسنا هنا ــ بالطبع ــ بصدد الحديث عن النسب من وجهة النظر الدينية ؛ بل أننا سنختص المبحث التاريخى لأنه ــ كما أحسب ــ الأجدى فى معرفة الأصول والفروع ، للوصول الى الغاية السامقة عن ديار قبيلة المساعيد فى العصور السابقة .
هذا وينتسب المساعيد ــ كما تذكر المصادر التاريخية ــ الى " مسعود ابن هانئ " وإليه يعزى اعادة بناء الكعبة الشريفة ؛ وهو كما يذكر المؤرخون جد المساعيد بصفة عامة ؛ ولا يختلف أحد فى ذلك - فيما أحسب - وقد ذكر ذلك النسب نعوم بك شقير فى كتابه “ تاريخ سيناء ص 118“ ، إذ قال : " المساعيد المنتسبون إلى مسعود بن هاني " . ومما يدلل الى التأكيد بأن المساعيد وجدهم مسعود بن هانئ هم الذين أعادوا بناء الكعية ؛ ماذكره نعوم بك شقير - أيضاً – ص 123 فى حديثة عن قبيلة هتيم حيث قال : " وفى تقاليد البدو أنه لما أعاد مسعود بن هانئ بناء الكعبة تأخرعرب هتيم عن الاشتراك فى بنائها ، فبناها بقبيلته ، وألزم هتيم بالخاوة ، وقال لقبيلته : ( لك هتيم بمالك تشريه ، ودون رقبتك تؤديه ) " .
ولكن يبدوالسؤال : من أين جاء نعوم شقير بهذه المعلومة التى تدل على الشرف العظيم لاعادة بناء المساعيد الكعبة ؟! وللاجابة على السؤال السابق نقول : أولاً أن نعوم شقير باحث عسكرى مدقق وكان غرضه الأساس من جمع الكتاب وتأليفه خدمة الجيش البريطانى الذى كان يعمل فيه ، حتى وصل لرتبة قائمقام ، وكان عليه أن يبحث فى أصول القبائل ليتم التعامل معها على أساس استراتيجي محسوب ، كما أن كافة الوثائق التاريخية كانت مفتوحة أمامه ، وكانت كل السبل مهيأة له ، للنظر والتدقيق والبحث دون مصلحة شخصية منه ، اذا كانت المهمة سرية جداً ، وتتطلب الوصول الى أقصى غاية علمية دقيقة عن كل ما يتعلق بسيناء وأهلها ، بطبائع معيشتهم ، وأنسابهم ، وعاداتهم وتقاليدهم ، وطرق معيشتهم ومأكلهم ، وملبسهم ، ومشربهم ، وسمرهم ، وغير ذلك ، أي كل ما يتعلق بحياة البدو على أرض سيناء ، ثم أن بحثه استقاه من الجمع الميدانى الدقيق بالاضافة الى المصادر والوثائق التى وفرتها له المخابرات البريطانية ، وكل هذا يدخل فى صميم صحة المهمة السياسية السرية من جانب ، والعميقة والدقيقة من جانب آخر ، علاوة على مقابلته للرواة والقضاة والمشايخ ، واذ عرفنا أن بعضاً من قبيلة المساعيد قد استقرت فى جنوب سيناء حيث دير سانت كاترين ، وطريق الحج المصري القديم ، وقيامهم أيضاً بغفارة الدير وهى لبست مهمة سهلة - آنذاك - لأيقنا بصدق المعلومة التاريخية ، كما أن وثائق ديرسانت كاترين والذى شيدته القديسة كاترينا قد كانت من الضخامة والتى تشابه الآن فى ضخامتها وثائق دار المحفوظات المصرية ، لأمكننا استنادا الى الوثائق التاريخية المخبأة ، بالاضافة الى رواة المساعيد آنذاك ، أقول كل ذلك يجعلنا نؤكد صدق رواية نعوم بك شقير عند حديثه عن المساعيد وجدهم مسعود بن هانئ ؛ كما أن كتاب تاريخ سيناء لنعوم شقير يعد المرجع الرئيسى لكل الكتب التى جاءت بعده للحديث عن سيناء بصفة عامة ، كما ان انتفاء قصدية المؤلف ومصلحته فى اضافة نسب هذه القبيلة الى تلك لاضافة مجد تاريخي لقبيلة دون أخرى ، وأن هذا الأمر ضد ما يبغيه من دراسة مكلف بها على وجه الدقة وكل ذلك يؤكد مصداقية انتساب المساعيد الى مسعود بن هانئ فى بناء اعادة الكعبة المشرفة ، ولعل ما سنستدركه أيضاً من سرد تاريخى عن أصول القبيلة ما يؤكد صحة ما ذهب اليه نعوم شقير ؛ كما تبقى ملحوظة أخرى مهمة تؤكد أن المساعيد من سكان جنوبي الحجاز ؛ وذلك لأن اعادة بناء الكعبة قد عهد بها فى كل العصور الى القبائل الحجازية ، ولم أعثر فى أي مرجع اطلعت عليه بأن سكان اليمن قد أعادوا بناء الكعبة ، وكان النزاع بين القبائل الحجازية فى شرف كسوة الكعبة ، وكانت العناية الالهية قد اختصت النبى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) - قبل الرسالة - بأن يكون الفيصل فى حسم أي نزاع من جانب القبائل لنيل شرف كسوة الكعبة إذ خلع بردته ووضع الحجر الأسعد فوقها ، وطلب من كل قبيلة أن تأخذ بطرف ، وبالتالى نال الجميع شرف كسوة الكعبة ، واعادة الحجر الأسعد لمكانه الكريم ؛ وتلك ملحوظة أضعها أمام الباحثين لأقول : بأن نعوم شقير إذ يؤكد على أن المساعيد قد أعادوا بناء الكعبة ، فإن كلامه هذا يحيلنا - كما ذكرت - إلى أن قبيلة المساعيد من القبائل الحجازية ، وأنهم كانوا يسكنون فى وادى الليث ، وأن وادى الليث هذا هو أحد الوديان القديمة موجود فى جنوبي الحجاز ، وتؤكد كثير من المصادر التاريخية وبعض المصادر الاخبارية بأن ديارالمساعيد كانت فى وادى الليث فى جنوبى الحجاز ، ولعل مرجعية استنادى هنا الى رحلة الرحالة الفنلندى " جورج أوغسطت فالن " فى رحلته الى شمال الحجاز عام 1848م حين ذكر مساعيد منطقة البدع فقال : ( هناك قبيلة صغيرة تدعى المساعيد ، لا تمت للحويطات تقول أنها نزحت فى البدء من وادى ليف فى اليمن ) .
وبالطبع لنا وقفة هنا ؛ فما ذكره جورج أوغست فالن هو تصحيف وادى الليث فى اليمن وعندما وصف المساعيد بأنهم قبيلة صغيرة وأنهم ليسو من الحويطات ، فهذا يدل على أن أحداثا قد حدثت فى المنطقة قد تسببت فى نزوح الكثير من المساعيد إما نتيجة لقحط واما لطلب الأمان وعدم الاغارة عليهم من القبائل الأخرى ، ومعنى أن يصفهم بقبيلة صغيرة ــ والمساعيد ليسوا كذلك ــ فهذا يدلل الى نزوحهم من المكان ، ثم ظلت جماعة قليلة منهم فى شمالى الحجاز ، كما أن قوله بأنهم نزحوا من وادى الليف فى اليمن فيه مغالطة كبيرة فلايوجد فى اليمن واد يسمى بوادى الليف بل هناك وادى الليث >>>.
بقلم
حاتم عبدالهادى السيد
المؤرخ المصري
ملتقى قبائل المساعيد والأحيوات :

هناك تعليق واحد: