فى ديار المساعيد القديمة

المساعيد قبيلة بدوية عريقة ؛ ضاربة فى الأصالة والقدم ؛ لها مالها من قبائل البادية العربية ؛ وعليها ما عليها من ذلك ؛ أي أنها جزء من نسيج متلاحم من العرب كلها ؛ ومعنى ذلك أن شجرة النسب فيهم متجذرة ومتأصلة فى شجرة البداوة العربية الضاربة فى الأصل بجذور ثابتة تؤكد عروبتها الشامخة ؛ وفى هذا أعظم نسب ، وأشرف مكانة اذ كان من العرب الأنبياء والرسل ، وكان اَخرهم خير نسب لخير خلف سيدنا محمد بن عبدالله القرشى عليه أفضل الصلاة وأذكى السلام ؛ فالانتساب للعرب والعروبة أسمى مقاماً ، وأعز شأناً ، وأرفع مكانة بين الأمم ، وفى هذا فإن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يفاخر بنا بين الأمم ، فالفخر كل الفخر لمن هو عربي وبدوي ، فالبداوة هى الصورة العظيمة والسمة الأساسية لكل من هو عربى ، وهى الهوية والتراث والمجد والفخر وشرف النسب ؛ وتعزى هذه العظمة وذلك الفخار الى القيم العربية الأصيلة ، فى الصدق والمحبة، ونصرة المظلوم وشيوع العدل والحرية ، واحترام مكانة الانسان وآدميته ، واعطاؤه حقوقه دون تغيير أو تبديل ؛ بل ودون تفاخر إلا بالاسلام والتقوى ، وما الشرف العظيم الذى تحلى به العرب سوى إعلائهم للتقوى ، وايمانهم بالعدل واحترامهم للقيم الانسانية العظيمة ؛ لذا كانت الحضارة العربية على بدواتها - بداية - حضارة سامية ، وعظيمة تعلى من قيمة الانسان وعندما جاء الاسلام وحد بين البشر وصهرالأنساب والأحساب : لا فرق بين عربى ولا أعجمى الا بالتقوى ؛ بل ساوى بين السادة والعبيد ، وقصرالشرف والفخر لكل من ينتسب للاسلام ويعلى من شأن المسلمين ، فتحول العرب من العصبية القبلية الى العصبية الاسلامية لاعلاء دين الله فى الأرض ونصرة نبيه ودعوته ، فاستحق العرب المكانة الرفيعة لانتسابهم للاسلام واحتضانهم للدعوة وللرسول العظيم صلى الله عليه وسلم .
ولا يدعو الاسلام بداية للتفاخر بين الناس بالنسب ؛ بل يدعو الى شرف النسب والتحلى بالصفات الحميدة ؛ ولا شك أن الأخلاق تعلى من قيمة الفرد أمام الجماعة ، وتعلى نسب الفرد التقى ذا الصفات الحميدة فيصبح مثار فخر واحترام بين الناس ، واذا انتشرت هذه الفضائل بين أفراد القبيلة تكون لها الكلمة المطاعة بين الناس ، ويكون لهم الأمر، وفيهم السيادة ، ومن هنا جاء الاهتمام بعلم النسب لأنه فخر بالمآثر العظيمة ، وليس الغرض منه التكبر على الناس بكثرة العزوة والرجال ، بل بشرف الكلمة ، ونبل المقصد ؛ والرحمة واشاعة العدل بين الناس ، لذا اختص الله من الناس أناساً لقضاء حوائج الناس ، وحل مشكلاتهم ، وفى هذا شرف وعظمة ، والى هذا الشرف وتلك العظمة يعزى الانتساب لعلم النسب ؛ اذ مما لاشك فيه أن النسب الشريف يتدافع اليه الناس ، وتلك لعمرى غاية سامقة .
هذا ولم يمنع الاسلام التفاخر بالأنساب والأحساب ؛ بل أنه حث الانسان عندما يتخير زوجة له ، لأحد أبنائه وبناته أن يتحرى شرف النسب فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ، وفى هذا تطهير للشخص وامتداد لحياة الانسان .
ولسنا هنا ــ بالطبع ــ بصدد الحديث عن النسب من وجهة النظر الدينية ؛ بل أننا سنختص المبحث التاريخى لأنه ــ كما أحسب ــ الأجدى فى معرفة الأصول والفروع ، للوصول الى الغاية السامقة عن ديار قبيلة المساعيد فى العصور السابقة .
هذا وينتسب المساعيد ــ كما تذكر المصادر التاريخية ــ الى " مسعود ابن هانئ " وإليه يعزى اعادة بناء الكعبة الشريفة ؛ وهو كما يذكر المؤرخون جد المساعيد بصفة عامة ؛ ولا يختلف أحد فى ذلك - فيما أحسب - وقد ذكر ذلك النسب نعوم بك شقير فى كتابه “ تاريخ سيناء ص 118“ ، إذ قال : " المساعيد المنتسبون إلى مسعود بن هاني " . ومما يدلل الى التأكيد بأن المساعيد وجدهم مسعود بن هانئ هم الذين أعادوا بناء الكعية ؛ ماذكره نعوم بك شقير - أيضاً – ص 123 فى حديثة عن قبيلة هتيم حيث قال : " وفى تقاليد البدو أنه لما أعاد مسعود بن هانئ بناء الكعبة تأخرعرب هتيم عن الاشتراك فى بنائها ، فبناها بقبيلته ، وألزم هتيم بالخاوة ، وقال لقبيلته : ( لك هتيم بمالك تشريه ، ودون رقبتك تؤديه ) " .
ولكن يبدوالسؤال : من أين جاء نعوم شقير بهذه المعلومة التى تدل على الشرف العظيم لاعادة بناء المساعيد الكعبة ؟! وللاجابة على السؤال السابق نقول : أولاً أن نعوم شقير باحث عسكرى مدقق وكان غرضه الأساس من جمع الكتاب وتأليفه خدمة الجيش البريطانى الذى كان يعمل فيه ، حتى وصل لرتبة قائمقام ، وكان عليه أن يبحث فى أصول القبائل ليتم التعامل معها على أساس استراتيجي محسوب ، كما أن كافة الوثائق التاريخية كانت مفتوحة أمامه ، وكانت كل السبل مهيأة له ، للنظر والتدقيق والبحث دون مصلحة شخصية منه ، اذا كانت المهمة سرية جداً ، وتتطلب الوصول الى أقصى غاية علمية دقيقة عن كل ما يتعلق بسيناء وأهلها ، بطبائع معيشتهم ، وأنسابهم ، وعاداتهم وتقاليدهم ، وطرق معيشتهم ومأكلهم ، وملبسهم ، ومشربهم ، وسمرهم ، وغير ذلك ، أي كل ما يتعلق بحياة البدو على أرض سيناء ، ثم أن بحثه استقاه من الجمع الميدانى الدقيق بالاضافة الى المصادر والوثائق التى وفرتها له المخابرات البريطانية ، وكل هذا يدخل فى صميم صحة المهمة السياسية السرية من جانب ، والعميقة والدقيقة من جانب آخر ، علاوة على مقابلته للرواة والقضاة والمشايخ ، واذ عرفنا أن بعضاً من قبيلة المساعيد قد استقرت فى جنوب سيناء حيث دير سانت كاترين ، وطريق الحج المصري القديم ، وقيامهم أيضاً بغفارة الدير وهى لبست مهمة سهلة - آنذاك - لأيقنا بصدق المعلومة التاريخية ، كما أن وثائق ديرسانت كاترين والذى شيدته القديسة كاترينا قد كانت من الضخامة والتى تشابه الآن فى ضخامتها وثائق دار المحفوظات المصرية ، لأمكننا استنادا الى الوثائق التاريخية المخبأة ، بالاضافة الى رواة المساعيد آنذاك ، أقول كل ذلك يجعلنا نؤكد صدق رواية نعوم بك شقير عند حديثه عن المساعيد وجدهم مسعود بن هانئ ؛ كما أن كتاب تاريخ سيناء لنعوم شقير يعد المرجع الرئيسى لكل الكتب التى جاءت بعده للحديث عن سيناء بصفة عامة ، كما ان انتفاء قصدية المؤلف ومصلحته فى اضافة نسب هذه القبيلة الى تلك لاضافة مجد تاريخي لقبيلة دون أخرى ، وأن هذا الأمر ضد ما يبغيه من دراسة مكلف بها على وجه الدقة وكل ذلك يؤكد مصداقية انتساب المساعيد الى مسعود بن هانئ فى بناء اعادة الكعبة المشرفة ، ولعل ما سنستدركه أيضاً من سرد تاريخى عن أصول القبيلة ما يؤكد صحة ما ذهب اليه نعوم شقير ؛ كما تبقى ملحوظة أخرى مهمة تؤكد أن المساعيد من سكان جنوبي الحجاز ؛ وذلك لأن اعادة بناء الكعبة قد عهد بها فى كل العصور الى القبائل الحجازية ، ولم أعثر فى أي مرجع اطلعت عليه بأن سكان اليمن قد أعادوا بناء الكعبة ، وكان النزاع بين القبائل الحجازية فى شرف كسوة الكعبة ، وكانت العناية الالهية قد اختصت النبى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) - قبل الرسالة - بأن يكون الفيصل فى حسم أي نزاع من جانب القبائل لنيل شرف كسوة الكعبة إذ خلع بردته ووضع الحجر الأسعد فوقها ، وطلب من كل قبيلة أن تأخذ بطرف ، وبالتالى نال الجميع شرف كسوة الكعبة ، واعادة الحجر الأسعد لمكانه الكريم ؛ وتلك ملحوظة أضعها أمام الباحثين لأقول : بأن نعوم شقير إذ يؤكد على أن المساعيد قد أعادوا بناء الكعبة ، فإن كلامه هذا يحيلنا - كما ذكرت - إلى أن قبيلة المساعيد من القبائل الحجازية ، وأنهم كانوا يسكنون فى وادى الليث ، وأن وادى الليث هذا هو أحد الوديان القديمة موجود فى جنوبي الحجاز ، وتؤكد كثير من المصادر التاريخية وبعض المصادر الاخبارية بأن ديارالمساعيد كانت فى وادى الليث فى جنوبى الحجاز ، ولعل مرجعية استنادى هنا الى رحلة الرحالة الفنلندى " جورج أوغسطت فالن " فى رحلته الى شمال الحجاز عام 1848م حين ذكر مساعيد منطقة البدع فقال : ( هناك قبيلة صغيرة تدعى المساعيد ، لا تمت للحويطات تقول أنها نزحت فى البدء من وادى ليف فى اليمن ) .
وبالطبع لنا وقفة هنا ؛ فما ذكره جورج أوغست فالن هو تصحيف وادى الليث فى اليمن وعندما وصف المساعيد بأنهم قبيلة صغيرة وأنهم ليسو من الحويطات ، فهذا يدل على أن أحداثا قد حدثت فى المنطقة قد تسببت فى نزوح الكثير من المساعيد إما نتيجة لقحط واما لطلب الأمان وعدم الاغارة عليهم من القبائل الأخرى ، ومعنى أن يصفهم بقبيلة صغيرة ــ والمساعيد ليسوا كذلك ــ فهذا يدلل الى نزوحهم من المكان ، ثم ظلت جماعة قليلة منهم فى شمالى الحجاز ، كما أن قوله بأنهم نزحوا من وادى الليف فى اليمن فيه مغالطة كبيرة فلايوجد فى اليمن واد يسمى بوادى الليف بل هناك وادى الليث >>>.
بقلم
حاتم عبدالهادى السيد
المؤرخ المصري
حاتم عبدالهادى السيد
المؤرخ المصري
ملتقى قبائل المساعيد والأحيوات :
بسم الله ماشاء الله
ردحذف