تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الاثنين، يوليو 02، 2012

قصة الحرشا والقضاء العرفي بشانها في الحجاز بقلم الأستاذ محمد بن سليم السحب المسعودي



محمد بن سليم السحب المسعودي



( الحرشا قصة وقضوة
من شمال الحجاز )
في حدود 1277هــ تقريباً كان ذوي رشيد من ذوي مسلّم من الفراحين من مساعيد شمال الحجاز يتواجدون بالطور في سيناء بمصر لقلة سبل العيش في ديرتهم الرئسية بشمال الحجاز وكانت لهم ذلول تسمى ( الحرشا ) وصاحبها هو مبارك بن حسين من ذوي رشيد وكانت الذلول ترتع وتسرح بخبت المساعيد بدون راعي وطمع فيها قوم وقاموا بنحرها وتقطيع لحمها وإعطاء قدر من اللحم إلى رجل مسن أعمى منهم ، يسكن المنطقه فقال لإحدى بناته أرجعيه إلى القوم فإذا سُئلت عنه قولي أنه توجد به ريحة عفانة ، وقد أعطوا قدر آخر إلى رجل من المساعيد  فأخذه وطبخه وأكله ، وقام القوم الذين نحروا ( الحرشا ) بطبخ لحم الحرشا وأكلها وبعد ذلك أقاموا لعبة الرفيحي دون المخافه من الله أو تقدير لحسن الجوار وعلم بهذه القصة جميع من يقطن المنطقه وأغاظهم هذا الفعل المشين ، وقال الشاعر محمد بن سالم الذيباني الحويطي هذين البيتين لعل الخبر يصل إلى اصحاب ( الحرشا ) بالطور

<><> <><> <><> <><> <><> <><> <><> <><> <><>

قولوا لراعي الحرشا يزين دقنهويحط في دقنـه سبيـب حمـاره

أن كان ماطلـع خويـر الحرشـايبيـعـوا الابـــل ويـسـيـروا عـيــاره

طبعاً بيتان قويان جداً فلما وصل خبر نحر ( الحرشا ) إلى أصحابها اجتمع كلٌّ من مبارك بن حسين ابن رشيد وحمدان بن موسي الدوّ وسليم بن سلمان أبو جرير وسالم بن حسين المحرول وإعمر بن مبارك ابن رشيد وجلهم من ذوي مسلم من الفراحين وقاموا بالتخطيط والمجيء إلى قيال لأخذ الثار من ذبّاح ( الحرشا ) وبعد ثلاثة أشهر تقريباً وصلوا قيال وتقصوا أخبار القوم وعلموا بأنهم في خطار الى فلسطين وقرروا الذهاب إلى البدع وضافوا عند محيسن بن عيد اللبيدي المسعودي بأعلى خشم البرج ، وقاموا بمعاينة الطرق التي سيسلكوها عند عودتهم حتى يتم التخطيط لذلك ، ثم توجه أصحاب الحرشا وضافوا عند علي بن سالم جريبيع من البحيرات من المساعيد وبعد العشاء ذهبوا وكمنوا بالصورة بمدخل البدع من جهة الشمال وعند قدوم القوم أحسوا أن هناك شيء ينتظرهم بالصورة فصاح أحدهم ليتنبه القوم وكان سلاح الفراحين السلاح الابيض ( السيف ) ، فقاموا بالالتفاف على القوم حول الصورة مما نتج عن ذلك خطأ ارتكبه سالم المحرول بجرح رفيقه سليم أبو جرير وفي الحال أكملوا الالتفاف على القوم وحاصروهم وأمسكوا بذباح الحرشا وقاموا وقطعوا لحمه ( قطع صغيرة ) حتى يكون عبرة لغيره وتركوه يتخبط بدمه متأثراً بجراحه ثم أصابوا ابنه وكسروه وفرّ الثالث ، وغادروا المكان للبحث عن الشخص الذين أكل من قدر اللحم وتم اللحاق به في فلسطين ثم قاموا بقطع اذنه جزاء له ، وكان هناك رجل كبير بالسن من الجغاغمه من المساعيد يسكن قريباً من الصورة التي وقعت بها الحادثه وعند الصباح وجد الرجل المصاب وبنى عليه البيت وقام بمعالجته لمدة ستة اشهر تقريباً ولم يفلح الجغام بعلاجه ومات الرجل متأثر بإصابته ، وبعد سنه تقريباً من الحادثه أرسل جماعة الرجل المقتول مرسال يطلب الحق من الفراحين الذين قتلوا الرجل عند القاضي العرفي بسيناء أنذاك وهو حميد بن عقيل الصوفي الترباني وكان قاضياً مشهوراً ومشهود له بالعدالة وعند وصول المرسال أرسل القاضي الى الفراحين وحدد موعد القضوة وعند حضور الفراحين عند القاضي تكبرهم مبارك بن حسين ابن رشيد صاحب ( الحرشا ) وبعد تقديم الرزق ووضع كفيل لكلٍّ منهم أدعى الخصم في حجته بقوله ( وشلك يا قاضي العرب وفكاك النشب بالابل الهمال اللي تروم مع الجبال ويوم أخذها ونحرها رفيقي يحسب انها من الطير الغريبي وهي يا القاضي تسرح مع الطير المخوي والذيب المعوي وصارت علينا حريبة وغريبة وش تقول يا قاضي في ذبح الرجل وكسر ابنه مقابل الحرشا وهذي حجة الرجل البليم عند القاضي الفهيم )
واحتج ابن رشيد بقوله ( وشلك يا قاضي يوم جيتك هدي قدي ولا تنقضي الحاجات الا بالصلاة على النبي وشلك في الابل اليهود اللي بعرها وقود ووبرها يدفي بالليالي السود ويش تقول في اللي أخذها من مفلاها ووداها إلى مهفاها اللي بطنها باع وسمنها ذراع ملحقة الطلب ومنذرة العرب وقام عليها ونحرها وأكل لحمها وقمت عليه وذبحته وقطعت لحمه مثل تقطيعه لحم الحرشا وأنا أنشدك يا قاضي أن تحط سهيل بين عيونك والجدي بين متونك حيث إني أجرّمه وأغرّمه بالمهافي والمسافي وهذي حجة الرجل البليم عند القاضي الفهيم )

حكم القاضي الصوفي :-

فيكم من ذكر الله وصلّى على النبي ( أنا أقول حق ذبح الرجل أربعين وضحى أولها درور وآخرها دحور وجمل أوضح أن نغزته يقوم وأن ضربته يزوم وحق الرجل المكسور عشرون رباعية ) 
وأقول حق الحرشا ( أن الابل اللي وسمها على خشمها وترتع مع الطير المخوي والذيب المعوي أنا اقول من أخذها من مفلاها حتى وداها إلى مهفاها كل خطوة لها برباع من الإبل والسكين التي ذبحت بها رباع من الابل وذنبها رباع من الابل ووسمها رباع من الابل وسنامها رباع من الابل وسطح كرشها رباع من الابل والقدر التي طبخت به رباع من الابل وأثناء سرد حق الحرشا صاح الخصم وقام بوضح يديه على فم القاضي لإيقافه وقال دخيلك يا قاضي لقد تجاوز حق الحرشا دية الرجل وكذلك المكسور فردّ القاضي وقال هذي الحرشا والله لأخلي حقها نارٍ تحرّق وسيلٍ يغرّق حتى لا أحد يجرؤ على المساس بأي حلال بالمراعي فقال القاضي دام استثقلت حق الحرشا فيكون كريم في كريم أي يضيع دم الرجل مقابل الحرشا فوافق الخصم على هذا الحكم وطلب القاضي كفيل على ألتزامه بهذا الحكم وأحضر كفيل بذلك )  وأشتهرت هذه القصة حتى أنه في السابق كانت هناك مقولة دارجة عند الحضر بضبا ويقولون عند غيظهم على البعض روح ( والله لأخليها عليك مثل لحم الحرشا ) وسلامتكم
ملتقى قبائل المساعيد والأحيوات :
وتعليقا على هذا الموضوع قال أبو عيسى المسعودي :
يسلموا هذولا رعاة الحرشــا
رجالن صناديد دماهم حـــــرّة
يوم الغباير ما ساقوا الطرشا
ســــــقوا عداهم كاسات مرّة
وقلت تعليقا على قصة الحرشا :
أخي العزيز الأستاذ أبو نايف محمد بن سليم السحب المسعودي
بارك الله فيك وأحسن إليك وشكرا جزيلا لك على توثيق هذه القصّة التاريخية الرائعة لقبيلة المساعيد في القرن التاسع عشر ومن الفوائد الرائعة لهذه القصّة التي وقعت بحدود عام 1277 هــ الموافق لعام 1866 م الفوائد التالية :
1ــ هذه القصّة أوردت أسماء عدّة فروع من قبيلة المساعيد وهي :
1ــ ذوو رشيد من الفراحين
ومنهم مبارك بن حسين الفرحاني المسعودي صاحب الحرشا ، وولده عمر بن مبارك ابن رشيد
2ــ الديّان من الفراحين
وومنهم حمدان بن موسي الدو الفرحاني المسعودي
3ــ الجرايرة من الفراحين
ومنهم سليم بن سلمان أبو جرير الفرحاني المسعودي
4ــ الحراولة
ومنهم سالم بن حسين المحرول الفرحاني المسعودي
5ــ اللبايدة
ومنهم محيسن بن عيد اللبيدي المسعودي
6ــ البحيرات
ومنهم علي بن سالم جريبيع البحيري المسعودي
7ــ الجغاغمة
ومنهم الرجل الكبير بالسن
2ــ أنّ الفراحين لا سيّما أصحاب الأسماء التي ورد ذكرها كانوا يقطنون في بلاد الطور ويبدو أنّه لم يكن أحد من الفراحين يقطن منطقة البدع آنذاك حيث وحجنا أن الرجال الخمسة نزلوا ضيوفا عند محيسن بن عيد اللبيدي المسعودي ثم نزلوا علي بن سالم جريبيع البحيري المسعودي وهذا يعني عدم وجود أحد من الفراحين في البدع وإلاّ لنزلوا عليه أو ساعدهم وانضمّ إليهم .
3ــ عرض هذه الأسماء يفيدنا بمعاصرتهم لبعضهم البعض كما يفيدنا عند مقارنة سلالاتهم المعاصرة بعضها ببعضها الآخر .
4ــ أنّ إرتحال الفراحين إلى بلاد الطور كان ارتحالاً موسميّاً لفترة محدودة يدلّ على ذلك بقاء الحرشا وإلاّ لأخذوها معهم .
5ــ أنّ العرف جرى أن إبل الغائبين عن الديرة محفوظة من الجيران ومن الأعداء على حدٍّ سواء فالجيران لا يتعرّضون لها البتّة وإلاّ عدّ العرب هذا بوقاً وغدراً وجريمته مضاعفة ، وأمّا الأعداء فيعلمون أن أهل المنطقة من جيران أصحاب هذه الإبل أو غيرها من الأملاك لن يسمحوا لأحدٍ بسلبها أو التعرّض لها كما يقتضيه عرف القبائل العربية .
6ــ أنّ العداوة والخصومة بين البدو لا تمنع من صنع المعروف حيث وجدنا أنّ الجغّام المسعودي بنى بيتا وعالج المصاب لمدّة ستّة أشهر رغم أنّ عدوّ لقومه وهذا من عادات البدو الحميدة .
7ــ أنّ البدو لا يسكتون عن طلب الحقّ ولا يبالون بأي تعب أو نصب في سبيل ذلك حيث وجدنا أنّ خصوم الفراحين طالبوهم بالحقّ واجتمعوا بهم عند القاضي حميد الصوفي الترباني في فلسطين .
8ــ أنّ أحكام القضاء ملزمة عند البدو حيث ارتضى الجميع بما حكم به القاضي الصوفي وانتهت القضيّة بأنّ ما جرى لخصوم الفراحين هدرٌ جرّاء ما فعلوه بالحرشا .
9ــ انّ الشعر عند البدو له دورٌ توثيقي للأحداث بل ولإستثارة الحميّة والنخوة كما وجدناه في شعر محمد بن سالم الذيباني الحويطي
10ــ أنّ البدو يستنبطون من الأحداث المهمّة البارزة بعض الأقوال والأمثال ومن ذلك قول بعضهم إذا غضب من الطرف الآخر : ( والله لأخلّيها عليك مثل لحم الحرشا )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق