تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الأحد، يونيو 15، 2014

قضاء المنشد الصارم بخصوص قضايا النساء في سيناء وجوارها ، للأستاذ محم سليم سلام

الأستاذ محمد سليم سلام

 
"المنشد" يواجه التحرش في سيناء
..
القضاء العرفي يواجه الإساءة للنساء بعقوبات قاسية ..
تغريم الجانى "جمل" على كل خطوة تجاه بيت المرأة المعتدى عليها ..
وبتر اليد جزاء ملامسة جسدها
 
الخميس 12 / يونيو / 2014
 
محمد سليم سلام 
 
القضاء العرفي هو الذي ينظم حياة البدو بشبه جزيرة سيناء وبالمحافظات التي توجد بها قبائل بدوية وهو منقول لا مكتوب يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد.
وتشتهر قبائل بعينها بالقضاء بين المتنازعين، فقضايا الدم لها محكمة وقاض خاص وقضايا الأرض كذلك، أما أصعب القضايا فهي المتعلقة بالمرأة ولها محكمة خاصة والأحكام فيها قاسية جدا وجائرة لمنع تكرارها وتسمي "المنشد".
ويرتكز القضاء العرفي في جوهره على تسعة قضاة أساسيين يطلق عليهم تسعة المنشد، وهم ثلاثة ملام، وثلاثة كبار، وثلاثة مناشد ويطلق البدو على القضاة أسماء منها: المخاطيط، أهل العلم العارفة.
وإجراءات التقاضي لها شروط وترتيبات خاصة، والمحكمة نفسها لا تعقد في كل وقت، ففي رمضان مثلا لاتنظر القضايا وتؤجل لحرمه الشهر الكريم، كما لايتم التقاضي في الاعياد والمناسبات الدينية، ولكن من الوارد أن يتم التقاضي بعدها بعدة أيام، فالحقوق التي تصدرها المحكمة العرفية ملزمة ولا يستطيع أحد التنصل منها، لأن القبيلة كلها تتكفل بها.
 
المحكمة العرفية

و«المنشد» هو المحكمة العرفية الأرفع لدى البدو ففيها يتم التقاضي في كل ما يتعلق بالنساء ويعالج قضايا النساء قاضٍ خاص يسمى عم البنات، وقد اشتهر في سيناء القاضي المسعودي، وفي كل قبيلة ثلاثة كبار معروفين، فهم يستطيعون البث في كل المسائل وبإمكانهم حل أي خلاف، فهم كمحكمة الصلح والمحكمة الجزئية وقد يحيل الكبار بعض القضايا إلى أصحاب الاختصاص فهم الذين يحيلون إلى المنشد وأهل الرسان وأهل الديار وإلى البشعة.
وهناك قاض خاص يحيل للمنشد يطلق عليه الضريبي وكان اسمه مشتقا من المضاربة لأنه يفصل بين الطرفين المتنازعين في أحقية رفع القضية إلى قضاة تغريم أم لا، وكأن الطرفين يتراهنان وهو يفصل بينهما، وتحال إليه القضايا للبت في جوازها، فهو لا يغرم ولا يجرم بل يحيل بدوره إلى القضاة المختصين وعمله في ذلك يماثل الكبار، وتعتمده بعض القبائل اعتمادا رئيسيا مثل قبيلة السواركة والرميلات بينما تكتفي بعض القبائل بالكبار وقد يقضي الضريبي في القضايا العادية، أي أن الضريبي هو الذي يفرز القضايا التي تعرك وتدرك ويحيل القضايا التي يرى أنها تستحق إلى الزيادي أو المنشد أو أهل الرسان أو الديار.
والمنشد نوعان هما "إنشاده" و"قطع حق"، والأول مأخوذ من كلمة نشد التي يستعملها البدو بمعنى سأل، فتحال إليه القضية من أجل مسألته هل يلحق صاحب هذه القضية منشد قطع الحق أم لا، ويدفع الطرفان عند هذا القاضي رزقه تبلغ تسعة إبل في بعض الأحيان.
ومنشد قطع الحق تحال إليه القضايا الواضحة برضى الطرفين أو من عند قاضي المنشد السابق، وقاضي المنشد هذا هو الذي يفرض الغرامة وقالوا عنه منشد " قرض وفر" أي هو الذي يقرض ويفرض وعلى الجاني أن يتحمل، والذي يدفع الرزقه عند منشد قطع الحق هو الجاني فقط ولا يحق له أن يدلي بحجة (مبلم ما يتكلم) بمعني ليس له حق الدفاع عن النفس لجرم ما ارتكبه وقالوا (يدفع رزقه ويتأخر في الوراء ورزقه عليه وحجة ماله ) وصاحب الحق يدلي بحجة قد تم الاتفاق عليها من عند القاضي المحيل لا ينبغي له الزيادة فهي مكفولة ومشهود عليها
أما القضايا التي تستحق حق المنشد فهي قضايا العرض وما كل ما يتعلق بالمرأة سواء التحرش أو الاساءة في الحديث، وتشمل صايحة الضحى، أو قذف امرأة بالفحش، كذا انتهاك حرمة البيت ( وتحدد بالبيت وأطرافه التي تضم المسافة التي تصل إليها العصى حين رميها من البيت ) وتقدر بأربعين خطوة،وقاضي المنشد غالبا ما يكون واحدا وحيدا إلا إذا استقل المجني عليه الحق، فيحق له طلب المنشد الثاني والثالث.
ومن أشهر قضايا المنشد حق صدر بشأن رجل اعتدى على امرأة في بيتها ضحى، فصاحت المرأة مستغيثة ونازعته، فقد ثوبها وبدد خرز قلادتها فهذه تسمي لدى البدو" صايحة الضحى" وكان حكم المنشد فيها:يترتب على الجاني دفع ناقة عن كل خطوة خطاها في اتجاه بيت المرأة من مقامه، وعشرة إبل عن دخول البيت، وتبتر يده التي لامست المرأة أو تفدى بالمال.
وعلى الجاني أن يبيض البيت الذي دخله بقماش أبيض، ويرفع ثلاث رايات بيضاء في ثلاثة دواوين لقبائل مشهورة وفي كل ديوان يقول راية فلان بيضا ويذكر اسم والد المرأة واسمها مباشرة.
وهذه الأحكام التي تبدو جائرة قصد منها ردع كل من تسول له نفسه بالاعتداء على أعراض الناس، فهم يخشون ذلك خشيتهم من الوقوع في النار، لأن قاضي المنشد لا يرحم، وبعد حساب مقدار الحق يتدخل الناس نساء ورجالا وأطفالا ووجهاء لدى صاحب الحق كي يتنازل عن بعضه رأفة بالجاني، ولكن ما يتبقى يظل رادعا ومجهدا، إذ قد يبيع الرجل وخمسته(أولاد عمومته) كل ما يملكون من إبل وعقار وومتلكات كي يفوا بالتزاماتهم التي أصبحت في عرض الكفيل، هذا إذا رضي أهل المرأة بالقضاء، بل في العادة يغبرون على الجاني وخمسته ويعيثون فسادا وتقتيلا وعقرا وحرقا.
ولذلك نادرًا ما نسمع في الأوساط البدوية عن قضية تحرش أو هتك عرض بسبب الأحكام الجائرة للمنشد، وعدم تنازل المحكوم لهم عن حقوقهم تأديبا للجاني ولعشيرته على عدم تربيته وتوعيته بأعراف البدو.
 
قلت : خالص الشكر والتقدير للأستاذ الكاتب محمد سليم سلام ، فما كتبه هنا عن المنشد هو من أفضل ما كتب عن هذا الجانب من القضاء العرفي ، ودائما ما يبدع أبناء القبائل العربية حينما يتولّون الكتابة عن تراث وتقاليد وأعراف قبائل البادية كونهم الأدرى والأعلم والأعرف بخفايا تراثهم ومكونات مصطلحاتهم ولهجاتهم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق