دخلت قبيلة هُذَيْل في الإسلام عام الفتح مع دخول قُرَيْش بعد فتح مكّة المكرّمة ، وقد سبق هذا إسلام كثير من أفرادها منذ ظهر الإسلام حتى فتح مكّة المكرّمة ، وما زعمه الدكتور أحمد كمال زكي عن عدم معرفة متى وكيف أسلمت هُذَيْل ؟ فهو زعم مردود ، حيث قال : " لسنا ندري على التحقيق كيف أسلمت هُذَيْل ، ولا متى أسلمت هُذَيْل . ولا نعرف في واقع الأمر حقيقة الدور الذي كانت تلعبه في تلك الفترة الحرجة " .
قلت : الصحيح أنّ حال هُذَيْل كحال قُرَيْش إلى أن فتح الله مكّة المكرّمة على رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّم ، وقد حاولوا مع أبناء عمومتهم قُرَيْش التصدّي لجيش الفتح فقتل منهم أربعة نفر ، قال الصالحيّ : " قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى : إنّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمر، ــ وأسلموا بعد ذلك ــ دعوا إلى قتال رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم وجمعوا أناسا بالخندمة وضوى إليهم ناس من قُرَيْش ، وناس من بني بكر ، وهُذَيْل ، ولبسوا السلاح ، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا " ، قال : " فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم وجد الجمع المذكور ، فمنعوه الدّخول ، وشهروا له السّلاح ، ورموه بالنبّل ، وقالوا : لا تدخلها عنوة ، فصاح في أصحابه فقاتلهم ، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قُرَيْش ، وأربعة من هُذَيْل " .
وكانت خاتمة شرك هُذَيْل بهدم صنمهم سواع الذي نصبه الحَارِث بن تَمِيم بن سَعْد بن هُذَيْل في رهاط على نحو 150 كم شمال شرق مكّة المكرّمة ، وذلك في شهر رمضان عام الفتح أي عام 8 هــ ، حيث أسلم سادن الصنم ، قال الصالحي : " قال محمد بن عمر ، وابن سَعْد : بعث رسول اللَّه صلّى الله عليه وَسَلَّم عَمْرو بن العاص إلى سواع صنم هُذَيْل بن مُدْرِكَة ، وكان على صورة امرأة ليهدمه . قال عَمْرو : فانتهيت إليه وعنده السّادن .
فقال : ما تريد ؟ فقلت : أمرني رسول اللَّه صلّى الله عليه وَسَلَّم أن أهدمه . قال : لا تقدر على ذلك . قلت : لم ؟
قال : تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ويحك ، وهل يسمع أو يبصر ؟ قال : فدنوت منه فكسرته ، وأمرت أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا . ثم قلت للسادن كيف رأيت ؟
قال : أسلمت للَّه تعالى " .
وفي ذكر هذا قال الحسن بن عمر بن حبيب ( ت 779 هــ ) : " سَرِيَّة عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى سواع سنة ثَمَان من الْهِجْرَة : بَعثه النَّبِي صلّى الله عليه وَسَلَّم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور و، َمَعَهُ نفر من ذَوي القَوْل المبرور ، وَالسَّعْي المشكور ، فَسَار لهدم صنم هُذَيْل الْمَعْرُوف بسواع ، فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ ، وثب عَلَيْهِ وثوب غضنفر شُجَاع ، فحذره السادن ، وخوفه سطوة السَّاكِن ، فَلم يلْتَفت إِلَى كَلَامه ، وَفسخ بالمعاول عقد نظامه ، وَسَاقه فِي جملَة الخراب ، ثمَّ رَجَعَ بعد أَن ألصقه بِالتُّرَابِ .
إِن أَنْت جِئْت إِلَى هُذَيْل قل لَهُم = يَا وَيْح شخص للحجارة راكنِ
أضحى سواع بالمعاول داثراً = خربا وَلم يَنْفَعهُ ودّ السادنِ
وما أن تمّ فتح مكّة حتى أخذ العرب يدخلون في دين الله تعالى أفواجا ، قال ابن كثير : " فإن أحياء العرب كانت تَتَلَوّم بإسلامها فتح مكة ، يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانًا ، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، ولله الحمد والمنة . وقد روى البخاري في صحيحه عن عَمْرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم ، وكانت الأحياء تَتَلَوّمُ بإسلامها فتح مكة ، يقولون : دعوه وقومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي " .
وقال : " قال محمد بن إسحاق : لمّا افتتح رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه ، قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع ، وأنها كانت تسمى سنة الوفود ، قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربّص بإسلامها أمر هذا الحيِّ من قُرَيْش ، لأن قُرَيْشا كانوا إمام الناس وهاديهم ، وأهل البيت والحرم ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم ، وقادة العرب ، لا ينكرون ذلك ، وكانت قُرَيْش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم وخلافه ، فلما افتتحت مكة ودانت له قُرَيْش ، ودوّخها الإسلام ، عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله ــ كما قال عز وجل ــ أفواجا ، يضربون إليه من كل وجه ، يقول الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وَسَلَّم : ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) أي فاحمد الله على ما أظهر من دينك ، واستغفره إنه كان توابا .
وقد قدمنا حديث عَمْرو بن سلمة قال : وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون : اتركوه وقومه ، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق . فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم " .
وقال الصالحي : " روى البخاري ، وابن سَعْد ، وابن منده عن عَمْرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه قال : كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه ، وكنا نسألهم ما هذا الأمر ؟ فيقولون : رجل يزعم أنه نبي وأن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا ، فجعلت لا أسمع شيئا من ذلك إلا حفظته كأنما يغرى في صدري بغراء حتى جمعت فيه قرآنا كثيرا .
قال : وكانت العرب تلوّم بإسلامها الفتح : يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي . فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم ، فانطلق بأبي بإسلام حوائنا ذلك وأقام مع رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم ما شاء الله أن يقيم "
وقال برهان الدين البقاعيّ : " ( أَفْواجاً ) أي قبائل وزمرا ، زمرا وجماعات كثيفة كالقبيلة بأسرها ، أمّة بعد أمة، في خفّة وسرعة ومفاجأة ولين، واحدا واحدا أو نحو ذلك، لأنهم قالوا: أما أذا ظفر بأهل الحرم ، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل الذين لم يقدر أحد على ردّهم فليس لنا به يدان فتبيّن من هذا القياس المنتج هذه النتيجة البديهية بقصّة أصحاب الفيل ما رتّبه الله إلا إرهاصا لنبوّته وتأسيسا لدعوته فألقوا بأيديهم وأسلموا قيادهم حاضرهم وباديهم " .
قال إبن حجر : " أسلمت هُذَيْل عند فتح مكة " ، وقد ولّى النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّم أبا عبيدة ابن الجرّاح صدقات هُذَيْل في المدينة ، قال البلاذري في ذكر ولاة النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّم على صدقات القبائل : " ولّى أبا عبيدة بن الجراح صدقات مزينة وهُذَيْل وكنانة " .
وكان حمل بن مالك بن النابغة اللِحْياني الهُذَلِيّ قد تولّى صدقات هُذَيْل في المدينة المنوّرة ، قال ابن حجر العسقلاني : " أن النبي صلى الله عليه وَسَلَّم كان استعمله على صدقات هُذَيْل " ، وقد ثبتت قبيلة هُذَيْل على الإسلام حينما ارتدَّ كثير من العرب ، قال ابن الملقّن ( ت 804 هــ ) : " قال الواقدي في الرِّدّة : لمّا توفيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ارتدّت العرب ، وارتدّ من جماعة الناس : أسد ، وغطفان إلّا بني عبس ؛ فأمّا بنو عامر فتربّصت مع قادتها ، وكانت فزارة قد ارتدّت ، وبنو حنيفة باليمامة ، وارتدّ أهل البحرين ، وبكر بن وائل ، وأهل دباء ، وأزد عمان ، والنمر بن قاسط، وكلب ، ومن قاربهم من قضاعة .
وارتدّت عامّة بني تميم ، وارتدّت من بني سُليم عُصيّة ، وعُمَيْرة ، وخُفاف ، وبنو عَمْرو بن امرئ القيس ، وذكوان ، وحارثة .
وثبت على الإسلام أسلم ، وغفار ، وجهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وكَعْب بن عَمْرو من خزاعة ، وثقيف ، وهذيل ، والديل ، وكنانة ، وأهل السراة ، وبجيلة ، وخثعم ، وطيء ، ومن قارب تهامة من هوازن ، وجُشَم ، وسعد بن بكر ، وعبد القيس ، وتجيب ، ومذحج إلا بني زُبَيْد ، وثبتت هَمْدَان ، وأهل صنعاء .
ثمَّ أسند من حديث أبي هريرة قَال : لم يرجع رجلٌ من دوس ، ولا من أهل السراة كلها . ومن حديث مروان التجيبي قَالَ : لم يرجع رجلٌ واحدٌ من تجيب ولا من همدان ، ولا من الأبناء بصنعاء .
وقال موسى بن عقبة : لمّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع عِلْية العرب عن دينهم : أهل اليمن ، وعامّة أهل المشرق ، وغطفان ، وأسد ، وبنو عامر ، وأشجع . ومسكت طيء بالإسلام .
وقال سيف في الردّة عن فيروز الديلمي : أوّل ردّة كانت باليمن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديّ ذي الخمار عبد الله بن كَعْب وهو الأسود العنسي . وعن عروة : لم يبقَ حيٌّ من العرب إلّا ارتدّ ما خلا أهل مكة ، والطائف ، والقبائل التي أجابت النبي صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية ممّن حول مكة ، والقبائل التي عاتت الله يوم الحديبية . ورابَ عبد القيس وحضرموت بعض الريب ، وحسن بلاؤهم واستقاموا . وقال قتادة فيما رواه الحاكم في الردّة قَالَ : لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّت العرب كلّها إلّا ثلاثة مساجد : مكة ، والمدينة ، والبحرين " .
وقال أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي ( ت 634 هــ ) في ذكر الردّة : " أمر أبو بكر الناس بالتجهز ، وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردّة ، وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدّت ، ولم ترتدّ عبس ولا بعض أشجع ، وارتدّ عامّة بني تَمِيم وطوائف من بني سليم : عصيّة وعُمَيْرة وخفاف ، وعوف بن امرئ القيس ، وذكوان ، وبنو جارية ، وارتدّ أهل اليمامة كلّهم وأهل البحرين ، وبكر بن وائل ، وأهل دبي من أزد عمان ، والنمر بن قاسط ، وكلب ، ومن قاربهم من قضاعة ، وعامّة بني عامر بن صَعْصَعَة ، وفيهم علقمة بن علاثة ، وقيل : إنّها تربّصت مع قادتها وسادتها لمن تكون الدَّبرة ، وقدّموا رجلاً وأخّروا أخرى ، وارتدت فزارة ، وجمعها عيينة بن حصن ، وتمسّك بالإسلام من بين المسجدين ، وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وكَعْب وثقيف ، قام فيهم عثمان بن أبي العاص في بني مالك ، وقام في الأحلاف رجل منهم فقال : يا معشر ثقيف ، نشدتكم الله أن تكونوا اوّل العرب ارتداداً وآخرهم إسلاماً ، وأقامت طيء كلّها على الإسلام ، وهُذَيْل ، وأهل السراة وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن نصر وجُشَم وسَعْد بن بكر وعبد القيس ، قام فيهم الجارود فثبتوا على الإسلام وارتدّت كندة وحضرموت وعنس ، وقال أبو هريرة لم يرجع رجل واحد من دوس ولا من أهل السراة كلّها . وقال أبو مرزوق التجيبي : لم يرجع رجل واحد من تجيب ولا من همدان ، ولا من الأبناء بصنعاء ، ولقد جاء الأبناء وفاة رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم فشقّ نساؤهم الجيوب وضربن الخدود ، وفيهم المرزبانة فشقّت درعها من بين يديها ومن خلفها " ، ونقله الديار بكري .
وحينما كتب النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّم لبني جعيل من بِلِيّ كتاباً ، وكانوا حلفاء لبني عبد مناف من قُرَيْش جعل لهم سعاية أي صدقة بعض القبائل ومنها هُذَيْل ، قال ابن سَعْد :" كتب رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم لبني جعيل من بِلِيّ أنّهم رهط من قُرَيْش ، ثمّ من بني عبد مناف ، لهم مثل الذي لهم وعليهم مثل الذي عليهم ، وانّهم لا يحشرون ، ولا يعشرون ، وأّنّ لهم ما أسلموا عليه من أموالهم ، وأنّ لهم سعاية نصر وسَعْد بن بكر وثمالة وهُذَيْل ، وبايع رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم على ذلك عاصم بن أبي صيفي وعَمْرو بن أبي صيفي والأعجم بن سفيان وعلي بن سَعْد ، وشهد على ذلك العبّاس بن عبد المطّلب وعلي بن ابي طالب وعثمان بن عفّان وابو سفيان بن حرب ، قال : وإنّما جعل الشهود من بني عبد مناف لهذا الحديث لأنّهم حلفاء بني عبد مناف ، ويعني لا يحشرون من ماء إلى ماء في الصدقة ، ولا يعشرون يقول في السنة إلاّ مرّة واحدة ، وقوله أنّ لهم سعاية يعني الصدقة " .
وفي عام حجّة الوداع وهو العام العاشر للهجرة جاء بنو لِحْيان إلى النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّم يشكون البريق الخُنَاعَيّ الهُذَلِيّ بأنّه هجاهم في الإسلام ، وهذا يعني أنّ الإسلام قد استقرّ حاله في أوساط هُذَيْل وباتوا يحتكمون في خلافاتهم إليه ، قال المرزباني : " عياض بن خويلد الهُذَلِيّ يلقّب البريق . حجازي مخضرم .... وله :
جزتنا بنو دُهْمان حقن دمائهم = جزاء سنمار بما كان يفعل
فإن تصبروا فالحرب ما قد علمتم = وإن ترحلوا فإنه شرّ مرحّل
فأتت بنو لِحْيان النبي صلّى الله عليه وَسَلَّم ، في حجة الوداع فقالوا : يا رسول الله هُجينا في الإسلام ، وزعم أن شرّ مرّحلٍ أن نأتيك . فأعطاهم رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّم لسانه ، فتكلّم فيه رجال من قُرَيْش ، فوهبه لهم " ، ونقل الخبر الحافظ ابن حجر العسقلاني .
المصدر :
قبيلة هُذَيْل وأصولها القديمة في بلاد الحجاز حتى آخر عهد الأشراف عام 1344 هــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق