تتميز شبه جزيرة سيناء بعادات وتقاليد وتراث يمكن القول أنها تختلف عن بقية عادات وتقاليد محافظات مصر، وذلك للظروف الجغرافية والتاريخية، حيث وفدت إليها بعض قبائل هاجرت من الجزيرة العربية والشام وفلسطين، واستقرت بها حاملة معها الكثير من عادات وتقاليد الأماكن التي رحلوا منها، وساهمت سنوات العزلة التي فُرضت على سيناء فترة طويلة من الزمن، في تمسك أهلها بالعادات والتقاليد وعلى رأسها القضاء العرفي بغية الحفاظ على الأنفس والأعراض والممتلكات.
بداية قال القاضي حسان أبو عويد، من قبيلة المزينة بجنوب سيناء: يقع الاختيار على القاضي العرفي لعدة أسباب تؤهله للفصل في النزاعات أهمها النزاهة والكفاءة والحياد ورجاحة العقل وطهارة اليد، وهناك ثلاث درجات للتقاضي في كل نوع من أنواع القضايا، فإذا بدأت خصومة أو نزاع بين طرفين، اتفقا على تسمية ثلاثة قضاة، ثم يحذف كل طرف من طرفي الخصومة قاضيا ويبقى الثالث، الذى يصبح قاضى النزاع، فإذا رضى الطرفان بحكمه أصبح الحكم نهائياً وملزماً للطرفين، أما إذا لم يرض أحدهما بالحكم أو لم يقبل به أحدهما، ذهبا إلى أحد القاضيين المحذوفين ليحكم بينهما، فإذا جاء حكمه مطابقا لحكم القاضي الأول، ورفضه الطرفان أو أحدهما، يتم اللجوء إلى القاضي الثالث والأخير الذى سبق تسميته، ويكون حكمه نهائياً وملزماً للطرفين، وهذا التدرج في القضاء العرفي يشبه التدرج في القضاء المعمول به في المحاكم العادية.
ويختلف القضاة باختلاف النزاعات المنظورة أمامهم، مثال قضايا الشرف وهتك العرض وهروب الفتيات مع شباب من قبيلة أخرى، ويطلق على القاضي اسم المنشد أو «المسعودي» نسبة إلى قبيلة المساعيد في شمال سيناء والمشهورة بالفصل في تلك القضايا، أما «العقبي» وهو قاضى الأحوال الشخصية، أو قاضى النساء، يفصل في قضايا الطلاق والمهور وهجر الزوج أو زواجه بأخرى وهروب الزوجة مع شخص آخر من قبيلتها أو من قبيلة أخرى و»القصاص» وهو قاضى الجروح، ويختص فيفصل في قضايا الدم كالقتل والإصابات، أما «المبُشّع» وهو قاضى الجرائم المنكورة التي لا شهود لها، حيث يتم اختبار المتهم بالبشعة أو الماء أو بالرؤيا، وقاضى السرقات والاعتداء على البيوت وقضايا الإبل يسمى»الزيادي».
وأضاف: «الخبراء» هم أعلى درجة في القضاء لما لهم من خبرة واسعة في شتى أنواع القضايا، ويحتكم إليهم القضاة، وتكون أحكامهم نافذة لا مراجعة فيها، مثال «أهل القطاعات» وهم خبراء في الأراضي والزراعات وكل ما يتعلق بها، و»المسوق» وهو خبير الإبل ومن يتسلم الغرامات عنها، و»قصاص الأثر» وهو الخبير بآثار أقدام البشر والإبل والسيارات وأشهر القبائل بهم «المزينة والقرارشة في الجنوب وبلى في الشمال»، و»الحُسباء» وهم أهل الخبرة في المواثيق والعهود و»أهل العرائش» وهم خبراء بكل ما يتعلق بالنزاعات عن النخيل وأشهر قبيلة بهم قبيلة المساعيد، وهناك أيضا «لحاسة الأختام» وهم المشايخ المعينون من قبل الحكومة ويختصون بالقضايا المتعلقة بأجور الجمال وحقوق القبائل فيها.
ويشير القاضي «عويد» بأن أهل البادية في سيناء أو مجتمع القبائل البدوية عموما يحتكم ويلتزم بأحكام القضاء العرفي كأنه سيف على الرقاب، وهو ما رسخ بيئة قبلية متوازنة تحكمها ضوابط وأعراف لا خروج عنها مهما كانت الأحكام وصعوبتها.
وفى نفس الاتجاه قال الشيخ عطية سيد داود، القاضي العرفي بقبيلة «الأخارسة» فى قرية رمانة بشمال سيناء: المجتمع البدوي استقر من داخله طبقا لعاداته وتقاليده على نظام قانونى هو فى مجمله من أعدل وأقوى القوانين المحافظة على استقراره منذ القدم، ويحسم قضاياه المختلفة طبقا لأسس وضعية اتفق عليها الجميع.
وعن حالات التقاضي، وفقا لـ»القضاء العرفي» قال: حالات التقاضي كثيرة ومتشعبة منها على سبيل المثال قضايا «التحرش» أو «هتك العرض» وتعتبر خطا أحمر فيما لو اعتدى شخص على امرأة من «قبيلته» بمعاكسة أو تربص، هنا يُعرض على «المُبشّع» الذى يقوم بالتعزيم على «البشعة» بلحسها ٣ مرات، فإن احترق لسانه تمت إدانته والحكم عليه بغرامة تصل إلى ٦ ملايين جنيه يتم تخفيضها في إجراءات التقاضي والمداولة إلى مليون ونصف المليون، أما إذا كانت الشاكية من قبيلة أخرى فهنا ربما تصل الأمور إلى حرب بين القبيلتين لا يفصل بينهما إلا الكبير أو أهل الخبرة حقنا للدماء بعد مداولات من الممكن أن تمتد إلى فترات طويلة، وفى قضايا الإصابات والجروح يختلف الحكم فيها عن باقي القضايا مثال الاشتباكات المؤدية لإصابات بغرز جراحية، هنا يتم عد الغرز، وكل غرزة يدفع مقابلها ما يترواح بين ألفى إلى ثلاثة آلاف جنيه.
وأضاف: في حال حدوث اشتباك أدى إلى فقدان وعى ودخول مستشفى، فغرامة الواقعة تبلغ ٥٠ ألف جنيه للمصاب، بينما يتنازل أحيانا صاحب الحق عن الدية تحت ضغط من أهل الجاني في الصلح مع أهل المجنى عليه برفقتهم أحد كبراء القبيلة محملين بذبيحة وطعام وشراب في تقليد يسمى بـ «جاهة»، في حين أن النزاعات على الأراضي بالتعدي تأخذ شكلا آخر من التقاضي، وتعد من أكثر القضايا المنظورة في القضاء العرفي، بينما في قضايا السرقات إذا بُرئ المتهم منها يتم الحكم على الطرف الآخر بوضع ٤ رايات على بيت المشكو في حقه، واحدة على بيته و٣ أماكن عامة يراها الناس، وفى حال علق ٣ فقط يتم الحكم عليه بدفع ١٠ آلاف جنيه للطرف الآخر، وفى قضايا الطلاق يكون الحكم فيها مشابها لقضايا المحاكم، بينما في قضايا القتل تصل الدية إلى مليون جنيه أو ١٠٠ جمل غير أن حوادث القتل قليلة جدا لأنه غالبا يتم الأخذ بالثأر من عائلة القاتل.
و في سياق آخر يقول إن الشيخ صلاح سلامة من قرية بالوظة ومعتمد قاضى حكومي منذ٢٠٠٣ مصطلحات قانون القضاء العرفي لا يعرفها إلا أهل البادية والعرب مثال «الجيرة » وتعنى مبلغ من المال يدفعه المذنب وإجباره على الرحيل من بيته لمكان آخر حتى انتهاء فترة التقاضي، و«الكفيل» هو شخص من الوجهاء قادر على سداد الغرامة عن المتهم إذا ما تعثر في السداد، و«الكبير» تعنى أحد كبار طرفي النزاع للتنسيق في اختيار القاضي والكفيل، أما « كبير الهرج « فهو محامى المتهم، و» الرزقة « تعنى أتعاب القاضي بنسبة ١فى المائة من قيمة غرامة الحكم.
سيناء.. أرض القضاء العرفي
20 / 11 / 2017 ، 7:39:39
تقرير: سميحة درويش
مجلّة المصوّر :
http://almussawar.com/show-151.html
http://almussawar.com/show-151.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق