تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

السبت، أكتوبر 10، 2009

الشيخ هايل عودة السرور للدكتور محمد محمود العناقرة

كتب الدكتور محمد محمود العناقرة يقول :
شخصية الشيخ هايل عودة السرور

يعد الشيخ هايل عوده السرور شخصية أردنية مرموقة وفريدة من الرعيل الأول جمعت ما بين الهم الوطني والعربي وبين الشأن السياسي والتعليمي قلما توفرت في غيره. كثيرة هي المحطات الهامة والأدوار المميزة التي لعبتها هذه الشخصية في تاريخ الأردن، فهو قاض عشائري قبل كل شيء، حيث كان يأمُه المتخاصمون للإصلاح بينهم من شتى أنحاء الأردن، إضافة إلى الدور النضالي والمشاركة في المقاومة في فلسطين فقد تقلد العمل السياسي في مجلس الشعب السوري ومجلس الأعيان الأردني. ولد المرحوم الشيخ هايل عام 1913 في منطقة الرويشد، وكان المسؤول عن العائلة والده عودة السرور وكانوا في مرحلة البداوة ولم تستقر عشائرهم في ذلك الوقت، وبرز شغفه بالتعلم وبالحياة العامة وفي المشاركة فيما يدور حوله من أحداث. فتنبه لذلك والده المرحوم عودة السرور وأمن له مدرس في ذلك الوقت يسمى (خطيب) ليعلمه ويدرسه أصول القراءة والكتابة ويثقفه بالشؤون العامة، وكان هذا الخطيب ينتقل مع البدو في حلهم وترحالهم وعندما تفتحت مداركه ومعارفه وتعلم أصول القراءة والكتابة بدأ بتثقيف نفسه فوصل لمرحلة من التعليم تتمثل في إجادته اللغة العربية بقواعدها وكذلك الفرنسية. وفي مطلع شبابه بدأ بتولي مسؤوليات يساعده بها والده وكان يشجعه على ذلك وتولي في آخر حياة والده المرحوم عودة سرور مسؤولية قيادة عشائر المساعيد وقبائل أهل الجبل، ثم لاحقاً دفع به إلى خوض الانتخابات النيابية ممثلاً لقبائل جبل العرب في ذلك الوقت. إذ أن عشائرهم كانت تنتقل في تلك المنطقة إذ أن الحدود السياسية لم تكن مرسمة ولم تكن واضحة فكانت مناطق عشائر أهل الجبل تمتد ما بين جبل العرب وما بين مناطق الأزرق حالياً وتضم أراضي أم الجمال والقرى التي شرقها، لكن معاهدة سايكس بيكو فرضت شيء من الخلل على هذه العشائر إذ أن استقرارها ومناطقها عندما ثبتت الحدود لاحقاً أصبحت داخل المملكة الأردنية الهاشمية (إمارة شرق الأردن) بينما فرض الفرنسيون عليها التمثيل السياسي مع منطقة جبل العرب فكان أن تقدم الشيخ هايل السرور للانتخابات في مجلس الشعب السوري وفاز في ذلك الوقت عدة مرات متتالية في المجلس، إلى أن أصبح مراقباً للمجلس في تلك الفترة. وشارك أيضاً في كافة الحركات الوطنية في ذلك الوقت.وقد تحدث الشيخ برجس الحديد عن معرفته بالشيخ هايل سعد السرور قائلاً: سمعت عن الشيخ هايل السرور عندما كان عمري عشر سنوات منذ الطفولة كانوا أقاربي يتحدثون عن شجاعة هذا الرجل حيث كان يقاتل في فلسطين وكان على رأس مجموعة من شباب أهل الجبل وكان أخي هايل (المقصود هايل الحديد) رحمه الله على رأس مجموعة من أبناء البلقاء. كون الصداقة التي كانت تربط بينهم التقى الاثنين وشكلوا وحدة واحدة وقاتلوا اليهود في معركة احتلال بلدة (بدو) غرب القدس حيث تقدمت المجموعة وسقط أخي أثناء القتال جريحاً وكانت جراحه بليغة فحمله من أرض المعركة الشيخ هايل السرور ومعه أقاربي وشباب من عشائر الدعجة وكان يقول أخي هايل: "أنا إصابتي بليغة شيخ هايل لا يوجد في أي فائدة" ولكن الشيخ هايل أصر أن يخليه من أرض المعركة رغم كثافة الرماية وكان ذلك من باب الوفاء والصداقة وذهب به إلى مستشفى رام الله، ولكن أخي فارق الحياة قبل أن يصل المستشفى وكان أقاربي الذين كانوا مع أخي هايل يتحدثون عن هايل السرور ودماثة أخلاقه وشجاعته. وما التقيت الشيخ هايل السرور إلا بعد مرور خمسة عشر عاماً، عندما كنت ضابطاً في سلاح الجوي الملكي الأردني في قاعدة الحسين الجوية التي تقع بين المفرق وأم الجمال وكان ذلك اللقاء الأول بيننا وبقيت صديقاً له رغم اختلاف العمر بيننا إلى أن التقينا في مجلس الأعيان عام 1986 وكنت دائماً أجلس إلى جانبه وأسمع من حكمته وشعره وكان علم من أعلام الشعراء العرب حتى في سوريا، والعراق والأردن والسعودية، ما تذهب إلى مكان إلا وتسمع شعر الشيخ هايل السرور.وأضاف الشيخ برجس الحديد قائلاً: بعد أن تقاعدت من سلاح الجو الملكي الأردني طبعاً لبست عباية وذهبت في صلحة بين الزبن وبين الفواز والتقيت أخي رحمة الله عليه ولم يعرفني أبداً سلمت عليه وسأل عن حالي وعندما سأل عن أخي فقمت وسملت عليه فضحك الجميع في الجاهة، لا يمكن أن يعرف أحد هايل السرور وينساه شخصية راقية دمث الخلق، سريع الخاطر، سريع البديهة، فارس، وبقيت على اتصال معه حتى التقينا في مجلس الأعيان وكانت مواقفه دائماً وطنية وكان قومي حتى النخاع. وتمثلت القومية عند الشيخ هايل في مشاركة في الحرب في فلسطين واستشهاد زميله وهذه تؤكد شخصية هذا الرجل وكان يشارك في الحوار في مجلس النواب وله رأي خاص مستقل، ودائماً لا يجامل ولا يهادن.وتحدث الشيخ برجس الحديد عن القضاء العشائري عند هايل السرور قائلاً: أخذ القضاء العشائري وتدرب عليه عن والده عودة السرور، وطبعاً بعد وفاة والده هو استلم القيادة وبدأ عندما احتلت تركيا الأردن تقريباً وكانت مسيطرة على الكرك والطفيلة والسلط وعمان وكانت تخضع للأنظمة والإدارة العثمانية، أما الجزء الباقي المترامي الأطراف فكان يخضع للقضاء العشائري. ومعظمها مستمدة من الشريعة الإسلامية، ولذلك جلس الحكماء من العشائر ووضعوا قانون لحماية الضيف وإنصاف الجميع وكان هايل السرور أحد قضاة العشائر البارزين وكان دائماً مع الحق لا تأخذه فيها لومة لائم.وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور عن القضاء العشائري قائلاً: اتيح لي في حياتي الأولى أن أحضر المجالس التي كان يتناول فيها هايل السرور قضايا تتعلق في خصوم ما بين أفراد العشائر من مختلف أنحاء الممكلةفكان ينتدب لحل هذه القضايا وكان يميل إلى أن يحاول حل المشكلة بالتوافق، وكان لا يلجأ إلى ما تقتضيه العادات العشائرية إلا إذا أعيته الحيلة في خلق التوافق ما بين الناس لأنه كان يقول لي أن التوافق يطيب خواطر الناس إذا لم يستطع فيفصل حسب العادات والأعراف المعروفة في ذلك الوقت. وكان لا يحل قضية إلا يسرد سوالف ليقنع الخاسر أو الرابح بأنهم ليسو الوحيدين وهذه دلالة الحكمة ولهذا يمتثلوا للحكم دون أي مشاكل.فكانوا يخرجون راضين، ولكنه في مجالس عديدة بعد أن يصل كل شخص لحقه في مجلسه. كان يستبقيهم ويجبرهم على تناول الطعام مع بعضهم البعض فكان يحضر الزاد أو المتيسر من الطعام ويجبرهم على الجلوس على الطعام معاً حتى تولد شيء من الألفة ما بينهم بالإضافة إلى أن صاحب الحق يأخذ حقه أيضاً يطيب النفوس.أما عن الدور الاجتماعي في حياة الراحل الشيخ هايل السرور ومساهمته في إصلاح ذات البين والعمل على توفير الخدمات العامة لمجتمع البداوة، وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور قائلاً: كان هايل السرور متنبه لقضايا عديدة على رأسها قضايا الخدمات العامة للناس لكي يستقروا في الأرض فشجع أبناء تلك المناطق على الاستقرار بداية لأن المجتمع الذي كنا نسكن فيه كان مجتمع بادية حل وترحال فقد ساهم هايل السرور في استقرار وبناء تجمعات سكنية وقرى وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لهم، لكن الذي كان يشغل باله هو موضوع التعليم حتى هذا انعكس علينا نحن أبناءه إذ لم يكن هنالك مدرسين وقد وفرهم لنا. كانوا ينتقلون معنا ولم يهتم فقط بتعليم الأبناء الذكور فقد اهتم بتعليم البنات، وهذا اهتمام بالمرأة، وتعليمها وإعطاءها حقوقها كاملة، فقسم من شقيقاتي كان داعماً لهن أن يكملن دراستهن خارج الوطن. أما عن مشاركته في مجلس الشعب السوري عام 1945 فقد تحدث معالي سعد هايل الشرور قائلاً: كما ذكرت عشائرنا كانت لاحقاً منطقة الحدود السياسية التي ثبتت في معاهدة سايكس بيكو في ذلك الوقت وكانت هذه العشائر تنتقل دون وجود حدود سياسية سواء في بداية القرن الماضي وما سبقه، لكن التركيب الاستعمارية في ذلك الوقت التي لم تعرف ظروف الناس قالوا أن بادية الأردن الشمالية ممثلة في الدائرة الانتخابية جبل العرب ولكن الوالد كان في ذهنه نظرية واضحة فكان يؤمن بأنه لا نجاه لنا إلا في وحدتنا فكان يعمل باستمرار على وحدة سوريا الكبرى وكانت هذه الوحدة يؤمن بها بقيادة هاشمية وهذا ما كلفه لاحقاً السجن والحكم عليه بالإعدام، والتشريد وشيء من التعذيب لكنه بقي طوال حياته يؤمن بذلك.وأضاف معالي سعد هايل السرور قائلاً واستمر عدة دورات في مجلس الشعب السوري لغاية 1957م، وكان ذلك من جراء إيمانه بوحدة سوريا بقيادة هاشمية وقد اضطهد أيام الاستعمار، وقد ذكر المغفور له جلالة الملك عبد الله المؤسس أنه عندما كان مطارد من الإنجليز ومن الفرنسيين لدفاعه عن القضية العربية خبأه في بيته (العرين الهاشمي) أشهر لكي لا يكون تحت سيطرة أي من الجهتين الاستعماريتين، واتهم أيضاً من قبل أنصار المعسكر الشيوعي في ذلك الوقت بالتآمر بتحقيق هذه الوحدة فاعتقل وسجن وحكم عليه بالإعدام ولكنه بقي مؤمناً برسالته.وأضاف الشيخ برجس الحديد حول هذا الموضوع قائلاً: إن البدوي لا يؤمن بالحدود، وهكذا كان هايل السرور يؤمن بسوريا الكبرى ويؤمن أن الأردن وسوريا ولبنان بلد واحدة، لأنه قومياً حتى العظم.وقد كان الشيخ هايل يهتم بقضايا الأمة العربية وليس الأردنية فقط وكانت الأمة دائماً في عقله ووجدانه وكان يحمل هم كل الأمة وأراه مكتئباً إذا حصل شيء ما في أي بلد من البلدان العربية وقد كان الشيخ هايل السرور شاعراَ، ومن شعره الذي كان يرسله لابنه سعد يقول فيها نصائح :
البارحة عيني سرى النوم عنه
واهول عين سارية مثل مسراه
عين ترش دموعها رشف شنه
أو دلو تسحب فطر العيس برشاه
يا سعد على أبوك ما أواه
جنه بالضيق ما ضيع خويه وخلاه
الياه يا بذلنا مالنا ما غنه
وليا فعلنا فعلنا، ما ذكرناه
الجود سر جدود كار لاهلنا
وعمال طباع الذيب تربي مع جراه
يا سعد خذ مني كلام، وتبنه
لا بد في يوم تعوزه وتلقاه
أوصيك يا سعد سرك تكنه
إياك ثم إياك إياك إياك واياه
واياك ضحاك يغرك بسنه
ما تنعرف صداقته من معاداة
وأحذر طريق الهون إياك منه
وإياك دروب تأخذك للأهاناة
ومن يلحق رعود الصيف كم وهمنه
كم وردن عطشان ويعود بظماه
وافطن ترى سوس الخشب صار منه
لا تأمن مثل أبوك يحبك ما جاه
واللي بدل صارمه بالمسنه.
خلي يولي يا سعد لا ترجاه
وإنا إللي بخاطري يا سعد جزت عنه
يوم تساوي الشهب الذيب والشاه
العز منقع والظمايا اوردنه
وإن شح ماه الناس تعطيه مقفاه
هني من قالوا على الصدق مذهبة
ولا عيبوا به ضاربين المشاعيب
والنفس يولد ذلها من أطماعها
ولا تطيع نفسك للردى وتجيبي
ومن عثر حظها في زمانها
ضاعت ما بين العرب والتعريب
قد ضاع من ضيع حياته في رفق
ما ميزوا بين الخطأ ومصيب
لا خانت الدنيا واشتد جورها
تجعل من الوجه الضحوك كئيب
تمسي بحال وتصبح بغيرها
ولا بد من بعد الشباب مشيب
شايت عوارضنا وما شاب عزمنا
وشيب الفتى قبل الأوان عجيب
إن جاروا الأعداء يغيب شمسنا
وان جار علينا الصديق نشيب

وقد وصف الشيخ برجس الحديد الشيح هايل السرور قائلاً: من أذكى الرجال الذين قابلتهم بحياتي ومن أشجعهم وكان شاعراً وكان دمث الخلق سريع الخاطر سريع البديهة لا يمل صديقه ابداً وبالنهاية رحمه الله وعليه رحمة واسعة. وقال معالي المهندس سعد هايل السرور بوالده : استطيع إلا أن أقول ما أشعر به بداخلي وما أشعر به لا استطيع أن اعبّر عنه واسكنه الله مع الأبرار والقديسين. هكذا كان أبو عبد الله جامعاً بين الوجاهة العشائرية والوطنية والقومية في آن وحد حيث شارك في النضال على أرض فلسطين ودافع عن هذه الأمة وكان سياسياً بارعاً عمل من أجل هذا الوطن ومن أجل أبناء هذا الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق