تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الاثنين، أكتوبر 25، 2010

حكايات من أرض الفيروز ‏..‏

حكايات من أرض الفيروز‏..‏
تحقيق‏: ‏سيد صالح ‏-‏ وجدي رزق

من رأي ليس كمن سمع‏,‏ وقد سمعنا كثيرا عن بدو سيناء‏,‏ وارتبطت صورتهم في أذهاننا بالخيام البدوية الممتدة في عمق الصحراء‏,‏ والجمال التي تمرح بين الجبال بحثا عن العشب والكلأ‏,‏ وجلسات السمر التي تمتد حتي ساعات الساعات الأولي من اليوم التالي ورعي الأغنام‏,‏ ولكن هل مازال البدو علي حالتهم القديمة؟ أم ينعمون بالتكنولوجيا؟ وهل أدركهم عصر الكهرباء‏,‏ والدش‏,‏ والهواتف المحمولة‏,‏ ومبردات الماء‏,‏ والهواء‏,‏ أم يعيشون في الخيام‏,‏ ويهيمون في الصحاري؟هذا في طابا‏,‏ قمة التناقص بين عشش من بقايا قطع الأخشاب التي جمعوها من مختلف الأماكن‏..‏ وبين فنادق‏,‏ وشاليهات‏,‏ ومنشآت سياحية‏,‏ لا يعرفها البدو إلا بالاسم فقط‏,‏ ولم يدخلوها كعمال‏,‏ لأن القائمين عليها يشترطون مؤهلات لا تتوافر فيهم‏,‏ ولا حتي يدخلوها كزائرين لأنهم لن يستطيعوا دفع الثمن‏!‏لأن من رأي أدق ممن سمع‏,‏ ذهبنا إلي مناطق متفرقة في جنوب سيناء‏,‏ التقينا بالبدو‏,‏ واستمعنا إلي همومهم‏,‏ وحصرنا مطالبهم‏,‏ وأمنياتهم‏.‏واقع الحال‏,‏ يؤكد أن نسبة كبيرة من بدو سيناء‏'‏ بؤساء‏'‏ بكل ما تحمله الكلمة من معني‏,‏ إذ يعيش بعضهم في الخيام‏,‏ ومن أدركته الحضارة المدنية منهم أقام لأسرته منزلا من الحجر‏,‏ وينعم بالكهرباء‏,‏ وبمشاهدة الفضائيات‏,‏ لكن تبدو الحياة بالنسبة للكثيرين من البدو قاسية‏,‏ حيث لا فرص للعمل‏,‏ ولا رعاية طبية كافية‏,‏ ولا مدارس تغطي مراحل التعليم‏,‏ ولا أماكن مناسبة للإقامة‏,‏ فقد افترشوا الصحراء بأكشاك من الخشب الذي لا يحميهم من حرارة الشمس الملتهبة‏,‏ وما أن تغرب الشمس لا يكون هناك ملجأ لهم من الظلام الدامس إلا ضوء القمر‏!‏فرص نادرة للعملفي صحراء النقب‏,‏ التقينا محمد جمعة غيث‏,‏ وجدناه يجلس علي حافة الأسفلت علي الطريق السريع‏,‏ فاصطحبناه إلي مكان مجاور‏,‏ قال لنا‏:‏ الحياة هنا صعبة‏,‏ فأنا أجلس في هذا المكان كل يوم بحثا عن فرصة عمل أيا كانت طبيعتها‏,‏ ولضيق ذات اليد لم أتزوج حتي الآن‏,‏ مع أن عمري اقترب من الثلاثين‏,‏ ويسألنا‏:‏ من يوافق علي أن يزوج ابنته لشاب مثلي؟ فأولياء الأمور يشترطون الحد الأدني من مقومات الزواج‏,‏ وهي أن يكون لدي الشاب الراغب في الزواج مكان للإقامة‏,‏ وأن يكون لديه دخل ثابت‏,‏ ومن دون ذلك لن يزوجه أحد ابنته‏!‏لماذا لا تبحث عن فرص عمل في مكان آخر؟أنا لا أصلح لأي عمل آخر غير الحراسة‏,‏ وقد ذهبت إلي مناطق أخري في نويبع‏,‏ والعريش‏,‏ ووجدت أن فرص العمل متاحة فقط لأبناء المدينة من المعارف والأصدقاء‏,‏ وسرعان ما أعود إلي النقب‏.‏في النقب مستشفي مجهز‏,‏ ومكتب بريد‏,‏ وخزانات تستقبل مياه السيول ثم تتم الاستفادة منها في توفير مياه الشرب لسكان المنطقة‏,‏ ولكن أكثر ما يقض مضجع الأهالي نقص بل انعدام فرص العمل‏.‏ومن النقب إلي طابا‏,‏ حيث لا توجد لوحات إرشادية تدلك علي كيفية الوصول للمكان برغم الجبال الشاهقة‏,‏ والممرات الضيقة لعبور السيارات فيما بينها‏,‏ وعند الوصول‏,‏ يبدو الدخول إلي طابا أمرا صعبا للقادمين إليها‏,‏ سواء كانوا من خارج سيناء‏,‏ أو من أبنائها‏,‏ وبعد عبور نقطة التفتيش‏,‏ لابد من المرور بمجموعة من المنشآت السياحية منها ما هو مكتمل‏,‏ ومنها ما هو تحت الإنشاء‏,‏ وبين هذه وتلك‏,‏ تصادفك علي الطريق الأكشاك الخشبية التي اتخذها البدو بديلا عن الخيام‏,‏ وهناك اقتربنا من سليمان صالح محمد‏(28‏ عاما‏),‏ وهو أحد شباب بدو سيناء‏,‏ وقد أتم دراسة الثانوية العامة‏,‏ ثم انقطع عن التعليم لأسباب تتعلق بظروفه المادية التي لا تسمح له بالالتحاق بالجامعة‏!‏بحث سليمان عن فرصة عمل ولم يجد‏,‏ طاف مختلف المناطق في نويبع‏,‏ والعريش‏,‏ وطابا‏,‏ والنقب‏,‏ ولم يجد‏,‏ فاجتهد في تربية الماعز‏,‏ وهي مصدر دخله الوحيد‏,‏ مشيرا إلي أنه ذهب إلي بعض المنشآت السياحية في طابا منذ‏40‏ يوما للبحث عن فرصة عمل فلم يجد‏,‏ فعاد إلي عشته الخشبية مملوءا باليأس والإحباط‏.‏وبالرغم من وجود مستشفي مجهز بأحدث الأجهزة الطبية في النقب‏,‏ إلا أنه لا يزال ـ كما يقول ـ بلا أطباء‏,‏ ولا هيئة تمريض‏,‏ ويتم نقل الحالات المرضية الحرجة‏,‏ إلي مستشفيات العريش‏,‏ وفي بعض الحالات يتوفي المريض قبل الوصول إلي المستشفي‏!‏البدو في طابا ـ كما يقول سليمان صالح ـ لا يسمحون بتصعيد المشكلات التي تحدث بينهم إلي أقسام الشرطة‏,‏ وإنما يفضلون حلها بجلسات القضاء العرفي‏,‏ التي تصدر أحكاما واجبة النفاذ‏,‏ يلتزم بها الجميع‏.‏ولا يزال الكثيرون من البدو يعالجون بالطب البدوي الشعبي‏,‏ كالعلاج بالكي‏,‏ والأعشاب‏,‏ لكن هذه الوسائل العلاجية العتيقة لم تعد تصلح في زمن انتشرت فيه أمراض السرطان‏,‏ والكبد‏,‏ والفشل الكلوي‏,‏ لذلك يتم نقل المريض إلي مستشفي متخصص لعلاجه‏.‏‏7‏ مشكلات رئيسيةمع أن غالبية البدو يعيشون في ظروف مادية صعبة‏,‏ إلا أن شيوخ القبائل يحيون في رغد من العيش هنا في طابا‏,‏ فقد أقاموا بيوتا مجهزة‏,‏ ولديهم السيارات‏,‏ والمشاريع الخاصة‏,‏ ولا يعانون كما يعاني بقية أقرانهم من البدو‏..‏ وإليكم حكاية شيخ قبيلة الإحيوات‏,‏ سلامة عطية مسمح‏(24‏ عاما‏),‏ الذي اختاره جده الذي بلغ من العمر‏83‏ عاما‏,‏ ليكون شيخا للقبيلة بعد أن تقدم في العمر‏.‏الشيخ سلامة ـ كما يسمونه في طابا ـ ميسور الحال‏,‏ حيث يمتلك شركة مقاولات‏,‏و لديه سيارة‏,‏ وبرغم ظروفه المادية الجيدة‏,‏ نجده متعاطفا مع أبناء قبيلته‏,‏ متأثرا بظروفهم الصعبة‏,‏ ويحدد‏7‏ مشكلات رئيسية تواجه البدو‏,‏ هي عدم وجود كهرباء‏,‏ ولا مياه صالحة للشرب‏,‏ إلي جانب نقص المدارس‏,‏ كما أن الفنادق ترفض تشغيل البدو‏,‏ ويشكو عدم قدرة البدو علي الاستفادة من أراضي سيناء بسبب سيطرة الهيئة العامة للتنمية السياحية علي مساحات كبيرة منها‏.‏ومن الميسورين هنا‏,‏ الشيخ سليمان فريج شيخ عشيرة الكرادمة والحمدات ويعمل في مجال السياحة‏,‏ وهو يري أن أقل رجل من البدو لديه‏50‏ رأسا من الضأن والماعز‏,‏ فهم يربونها‏,‏ ويبيعونها‏,‏ ويأكلون من لحومها‏,‏ وهي العمل الأساسي لأي بدوي‏,‏ موضحا أن البدو يصنعون الخبز كل يوم‏,‏ ويذبحون الماعز كل‏10‏ أيام‏.‏
ركود في السياحة
مع أن طابا منطقة سياحية ذات شهرة عالمية‏,‏ إلا أنها تشهد حالة من الركود الآن‏,‏ يقول عاطف فريج محيسن‏,‏ وهو صاحب مخيمات سياحية‏,‏ وسيارات لنقل السائحين‏,‏ ان الموسم السياحي الصيفي يبدأ في شهر يونيو‏,‏ وتكون الحركة السياحية ضعيفة نسبيا بسبب الموسم الدراسي‏,‏ إذ يأتي السائحون الروس صيفا‏,‏ بينما يفضل البريطانيون‏,‏ والفرنسيون الشتاء‏.‏وتظل طابا ـ كما يقول عاطف فريج ـ بحاجة إلي رعاية الدولة‏,‏ من خلال توفير المدارس لأبناء البدو الذين يتجاوزون الألفي شخص‏,‏ ويجدون صعوبة في الذهاب إلي المدن المجاورة لتعليم أبنائهم لندرة المواصلات‏,‏ فضلا عن ضرورة بناء مساكن للبدو‏,‏ للحد من ظاهرة العشش التي يقيمون فيها مضطرين إلي ذلك‏,‏ وتوصيل المياه الحلوة الصالحة للشرب‏.‏الحرب علي المخدراتزراعات المخدرات في جنوب سيناء تتركز ـ كما يقول شيخ قبيلة الإحيوات ـ في منطاق محددة‏,‏ والسبب فيها ضيق العيش‏,‏ والبطالة التي يعانيها البدو‏,‏ وهي في النهاية عمل مرفوض تماما‏,‏ ونعمل علي مواجهته بكل الوسائل‏.‏الماء سر الحياة‏..‏ هكذا قال الشيخ عيد فراج سليمان شيخ عشيرة النجمات‏,‏ إذ يطالب بتوفير المياه سواء للشرب‏,‏ أو للزراعة‏,‏ وتنمية الثروة الحيوانية من خلال التوسع في رعي الأغنام‏,‏ ولإنقاذ البدو من البطالة‏.‏مشكلة ندرة المياه تشكل هاجسا لأهالي قرية نخل في جنوب سيناء‏,‏ حيث انتشرت معدلات الإصابة بالفشل الكلوي في بعض المناطق‏,‏ وهنا يقول محمد أبو مسلم عامل باليومية إن السكان يحصلون علي المياه من العريش أو من السويس في براميل وجراكن بلاستيكية‏,‏ ويصل سعره إلي‏10‏ جنيهات‏,‏ وكان المجلس المحلي يبيعها لنا‏,‏ والآن دخلت شركات القطاع الخاص في مجال نقل المياه وبيعها‏,‏ مشيرا إلي أن معظم البدو يعملون باليومية‏,‏ ولا يمتلك أرضا زراعية إلا نفر قليل منهم‏,‏ لذلك فهو يطالب بتوفير فرص عمل لهم‏.‏وفي مدينة سانت كاترين وهي إحدي مدن محافظة جنوب سيناء الثماني‏,‏ الصورة لا تختلف كثيرا‏,‏ فالناس هنا يعانون مشكلات عدة منها نقص المدارس‏,‏ وعدم وجود جامعات‏,‏ كما يعانون ـ الكلام لعواد محمد سالم عضو مجلس محلي محافظة جنوب سيناء ـ تسرب الفتيات من التعليم بسبب بعد المدارس‏,‏ بينما تحصل بعض المناطق علي نصيب الأسد من التعليم والمدارس‏,‏ ولا يوجد في سانت كاترين سوي بئرين للمياه الجوفية‏,‏ مملوكتين لوزارة الري‏,‏ وتبعدان نحو‏80‏ كيلو مترا عن المدينة‏,‏ ولا تكفيان لتوفير احتياجات السكان من المياه‏,‏ بالإضافةإلي مشكلات انقطاع التيار الكهربائي التي تتكرر بصورة دائمة‏.‏ميناء للصيد ومصنع للأسماكالحل ـ كما يراه عضو مجلس محلي محافظة جنوب سيناء ـ يتمثل في إنشاء ميناء للصيد‏,‏ ومصنع لتصنيع الأسماك علي أرض سيناء‏,‏ مع تخصيص نسب من فرص العمل لأبناء المحافظة في جميع شركات البترول‏,‏ فضلا عن تنشيط السياحة الداخلية‏,‏ والموافقة علي ترخيص سيارات النقل المملوكة للبدو‏,‏ والسماح لها بالعمل في شرم الشيخ‏,‏ وكذلك من الضروري إنشاء مراكز متنقلة لتدريب البدو وتأهيلهم للعمل في مختلف المهن‏,‏ والحرف اليدوية‏.‏
جريدة الأهرام الصادر صباح الأثنين 17 من ذى القعدة 1431 هـ 25 اكتوبر 2010 السنة 135 العدد 45248

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق