تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الثلاثاء، يناير 09، 2018

صُرّة الدغنجة الأحيوي ، وتولّي الدغنجة لدرك درب الحاج المصري من نخل إلى العقبة


 كان من عادة البدو مهاجمة قوافل الحجيج لسلب ما تيسّر لهم يدفعهم لهذا الفقر والحاجة ، وكان ينتهزون الفرص المواتية لذلك فإمّا أن يهاجموا القافلة في المضايق الوعرة ، أو يهاجمونها ليلاً ، أو يسلبون من تأخّر أو انفرد عن القافلة ، وكانوا لا يتعرّضون للنساء ، ولا يهمّهم قتل أو إصابة الحجّاج فما كان يهمّهم هو السلب فقط ، ولكن تقع في بعض الأحيان مصادمات بين البدو والقوّة المرافقة لقوافل الحجّاج .
لهذا ولدرء المخاطر التي قد يتعرّض لها الحجيج كلّفت الدولة في مصر في مختلف العهود : العبّاسية والأيّوبية والمملوكية والعثمانية بعض قبائل درب الحاج القويّة بحماية قوافل الحجيج عند المرور في ديارها مقابل أعطيات سنوية تمنح لمشايخ هذه القبائل . لهذا قسّمت درب الحاج الممتّدة من القاهرة إلى مكّة إلى أدراكٍ تتولّى حمايتها القبائل العربية ، وقد ألزمت هذه القبائل وتعهّدت بضمان كلّ ما يخصّ قوافل الحجيج كلّ قبيلة في دركها . فإذا ما ضعفت قبيلة ما عن المحافظة على أمن القافلة وممتلكاتها عند مرورها في ديارها أوكل الأمر إلى قبيلة أخرى أقوى منها ، أو إلى أفراد وشيوخٍ أقوى من شيوخ تلك القبيلة وقد يكونون من نفس القبيلة .
آلت حماية درب الحاج ومكتسباتها في المنطقة الممتدّة من نخل في وسط سيناء إلى العقبة إلى قبيلة الأحيوات ، وكان شيوخ الأحيوات يتلقّون أعطيات سنوية في موسم الحجّ في نخل والعقبة ، وقد حظي بهذه الأعطيات شيوخ من مختلف فروع قبيلة الأحيوات إلى أن آلت في نهاية الأمر إلى شيوخ القبيلة وهم القصار من عشيرة النجمات من الشوافين الأحيوات .
ومن الأحداث المبكّرة لتعرّض الأحيوات لقوافل الحجيج حادثة كان بطلها الدغنجة أحد أجداد عشيرة الدغانجة من الحمدات الأحيوات . فقد تربّص الدغنجة بقافلة الحجيج قرب مضائق نقب الحاج غرب العقبة ، وكان هذا ليلا ، حيث استغلّ الفرصة المناسبة وخطف بعيراً وساقه مسرعاً ليختفي عن الأنظار قبل أن يُحسّ به أحد .
ولمّا عاين البعير وإذا به يحمل هودجاً فيه فتاة ، فواصل سيره إلى حيث يقيم .
كانت الفتاة ابنة سنجق الحاج ، وقد عرضت على الدغنجة أن يردّها وأنّها ستغنيه ، فقال لها : إن عرفت بيتي من بين البيوت فسأردّك وألحقك بالقافلة . فلمّا وصلا إلى حيث بيوت قومه رأت بيتاً صغيراً حقيراً فأشارت إليه وقالت : ذاك بيتك . فقال له كيف عرفت ؟ فقالت : ( بيت النتّاش ما يعلاش ) أي أنّ بيت اللصّ لن يكون كبيوت الناس المميّزة .
أوفى الدغنجة بوعده للفتاة فكان أن سار بها خلف القافلة ، وكانت الفتاة قد طمأنته أنّه لن يصيبه شيء . فلمّا أدرك القافلة عجب سنجق الحاج لهذا اللصّ الذي أعاد إليه ابنته سالمة لم يمسسها سوء فقرّر أن يكافئه وأن يكلّفه بالدرك في المنطقة الممتدّة من قلعة نخل إلى العقبة مقابل صرّة ــ أي أعطية ــ سنوية ، فأصبح الدغنجة صاحب الدرك هو وقبيلته الأحيوات . ونظراً لحصوله على الصرّة اشتهر مثلٌ عند قبيلة الأحيوات وغيرها وهو قولهم ( صُرّة الدغنجة ) ، فلم يكن يتلقّى الصُّرّة إلّا الشيوخ ذوو الشأن في قبائلهم .   
والصرّة اسم يطلق على المبلغ المالي ومتعلّقاته من كساء أو طعام الذي تمنحه الدولة لصاحب الدرك .
والدغانجة وواحدهم دغنجي فرع من الحمدات بنو حمد بن سعد صادق الوعد الأحيوي ابن علي بن معلّى بن سليمان المسعودي ، ويقطنون الأردن ، وسيناء ، وغيرها في الديار المصرية ، ولهم آثار قديمة جدّا في وادي عربة ونواحيه .

وهناك من الرواة من يذكر هذه القصّة للطويل ، وهذا يبيّن العلاقة بين الدغانجة والطوال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق