تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الاثنين، سبتمبر 03، 2012

مقالة عن صمود المساعيد في غور الفارعة لعبد الناصر النجار

جريدة الأيام الفلسطينية
السبت 1 / جمادى الأولى / 1430
25 نيسان 2009


آراء

هـل تذوّقتم طعم الصّمود؟!
بقلم: عبد الناصر النجار



صُمودٌ - فَعّال - بِـناء، كلماتٌ قد تبدو غير مكتملة المعنى، ظاهرياً، ولكنّها في باطنها، تعني الكثير لمجموعات تُقدِّر قيمة الأرض، بل تتماهى معها، بحيث إن رائحتها تصبح كنوع من الإدمان الذي لا يمكن التخلّص منه، مهما كانت المغريات أو الضغوط..الجفتلك.. كلمة تركيّة الأصل، تعني مزرعة السلطان، اشترتها عشيرة المساعيد، القادمة من الحجاز، قبل أكثر من 300 عام، من السلطان العثماني، ثم أعادت شراءها، مرّة أخرى، في عهد الانتداب البريطاني.هذه المنطقة الاستراتيجية، يدور حولها، وفيها، صراعٌ غير مرئي، ولكنه مرير، يحتاج إلى صمود فعّال من أجل التغلّب على الغُزاة الجُدُد.. هذه الحرب الشرسة على الأرض والمياه، بدأت منذ اليوم الأوّل للاحتلال، وما زالت في أوجها..!
يُبادِرُك
الأمير غسّان الضامن، بسؤالٍ قبل أن تسأله؛ ماذا يعني مصطلح الشرعيّة الدولية لمئات العائلات في الأغوار، التي لا تستطيع أن تبني حجراً في أملاك أجدادها..؟!
وماذا تعني زيارة مسؤول أو مسؤولين، لمزارعين تلوّحت بشرتهم بسمرةٍ من لون الأرض والسماء.. وتشقّقَت أيديهم من عَزْق الأرض ...... ، وهم يردِّدون أحجياتهم السياسية، حيث ينام المستمعون؟!
في استضافةٍ سنويّةٍ ربيعيةٍ، في مزرعتِه، بدأ الضّامن، حديثَه عن التاريخ والجغرافيا والمستقبل، وذلك خلال جولة في السيارة استغرقت أكثر من ساعة، تناول فيها "لعبة الكَفِّ والمخرز"، بين الغازي وصاحب الأرض.. ولكن الكفّ التي تَفلَح وتزرَع وتغرس، تكون لها قدرة على هزمِ المَخرز..
الجفتلك تتكوّن من أربع قرى، هي: قراوة الفوقا، قراوة التحتا، أم حريرة وفروش بيت دجن.. مساحتها المرويّة تصل إلى 17 ألف دونم، وهي مرويّة برعاية الدولة.. وقبل أن نستفسر، من الضامن، عن مفهوم رعاية الدولة، تُفاجِئك شجيرات مثمرة.. تعرف أنّها شجرة "السدر" أو "الدوم"، نقف لتذوّق طعمها، خاصة وأنّ هذه الشجرة قد ارتبطت في أذهاننا، ونحن أطفال، من خلال قصص جدّاتنا التي تحدثت عن "جبينة والغول"، عندما ذهبت إلى الغابة مع صديقها لتقطف "الدّوم".. حبّات صغيرة تشبه الزعرور، من فئة التفاحيات، مذاقها خفيف الحلاوة، ولكن كلّما احمرّ لونها زادت حلاوتها..
رعاية الدولة، هي حقّ امتلكه المزارعون المالكون للأرض، وفق مرسوم حكومي، في حينه، من أجل توفير المياه لريِّ هذه المنطقة، وهو أمر ملزم لكافة الحكومات المتعاقبة، وحتى سلطات الاحتلال ملزمة بذلك.
نسير عدّة مئات من الأمتار، نشاهد مدرسة حديثة، ولها قصّة توضح معنى الكلمات الثلاث السابقة؛ الصمود، الفعّال، البِناء.. لقد منع الاحتلال بناء المدرسة، فأُقيمَت قواعد اسمنتية، رُفِعَت فوقها خيام.. وحضر الطلاّب وتعلّموا.. صمود ثم صمود فعّال، لحقه بناء، رغم أنف الاحتلال..
مَزارِع النخيل تمتدّ على مدى البصر، وتبدو متداخلة بين مَزارِع وطنية، غُرِسَت ونَمَت بعَرَقِ المزارعين، دون دعم أو مساندة.. وأخرى مجاورة وَضَعت فيها سلطات الاحتلال إمكانيّة دولة.. ولكن إرادة الصمود تحدّت إرادة الدعم والمال من دولة الاحتلال لمزارعيها المستوطنين.
المشكلة الأساسية في الجفتلك هي المياه.. ففي الوقت الذي تَسبَح فيه مزارع المستوطنين ببحرٍ من المياه الفلسطينية المسروقة، تعاني المَزارِع الفلسطينية العطش.. ولولا وجود بئرين ارتوازيتين، ربما اختنق المزارعون وهجروا أرضهم..!!
البئران، إحداهما تضخّ باستخدام الكهرباء، والثانية بـ"السولار".. ورغم المطالبات الكثيرة لسلطة المياه، بأن يتمّ إيصال الكهرباء للبئر الثانية، حتى يتم تخفيض جزء من المصاريف الباهظة، إلاّ أن صدى المطالَبَة لم يدقّ خزّان السلطة؟!!
عندما تزرع شجرة في أرض الأغوار، يعني ذلك صموداً.. عندما تقام دفيئة زراعية، يعني ذلك بناءً.. وعندما يصرّ أصحاب الأراضي على استصلاح أراضيهم والإقامة فيها، يعني أن الكلمات الثلاث، السابقة، أصبحت تمثّل جملة كاملة؛ "الصمود الفعّال القائم على البناء" هو أمضى سلاح للمقاومة الشعبية في المنطقة!!
فوق الأراضي الفلسطينية المصادَرَة، قامت مستوطنة "مسوءا"، وهي أوّل مستوطنة زراعية في الأغوار، والتي يُطلِق عليها المزارعون هناك اسم "مسْوَأَة"، دلالة على الفِعل السيّئ والعدوان..!
في منطقة الجفتلك، كل شيء له علاقة بالصّمود الفعّال القائم على البناء، هو خطر على أمن إسرائيل.. وبالتالي، لا بد من وقفه في بداياته.. حفر بِئر، ممنوع.. تشييد منزل، ممنوع.. إضافة بناء، ممنوعة.. حتى إقامة حفرة لجمع المياه، ممنوعة؟!!
في ظلّ الممنوعات الكثيرة.. تبدو إغراءات الأرض أكبر.. تصبح رائحتها، كما يؤكّد الضّامن، شيئاً من الإدمان.. وتزداد جذور الملاّك والمزارعين ترسّخاً في هذه الأرض..
نصيحة لكلِّ وطنيٍّ لم يتذوّق طعم الصّمود الحقيقي، ولكلِّ مسؤولٍ يتحدّث كثيراً عن المقاومة، أن يقوم بزيارة، ولو ليومٍ واحد، إلى منطقة الجفتلك، وليحاوِل مرّة أو مرّتين أو ألف مرّة، أن يشمّ رائحة فلسطين في هذه الأرض.. فربّما عاد ليؤكّد أنّ طعم هذا الصّمود ليس له مثيل؟!!.

http://news.maktoob.com/newspaper?ne...1&title=الأيام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق