تهتم هذه المدونة وتعنى بأنساب وتاريخ وأعراف وتقاليد وأخبار وأعلام وشؤون قبائل المساعيد

الأحد، يناير 26، 2014

أمّ الجمال معقل مساعيد الأردن : أم الجمال .. متحف أثري مفتوح يعكس التسامح الإسلامي ــ المسيحي



 
أم الجمال .. متحف أثري مفتوح يعكس التسامح الإسلامي - المسيحي



حسين الشرعة - لم يعرف حتى الآن اسم أم الجمال الحقيقي، والأرجح أن يكون اسمها القديم مأخوذا من القوافل التجارية المعتمدة على ''الضعن'' الجمال، والتي كانت تعبر المنطقة من وإلى الشام قريبا من ذلك لأن العرب كانوا دائما دقيقين في نقل الأسماء التاريخية القديمة زد على ذلك موقعها التجاري الصحراوي والذي يفرض استخدام سفينة الصحراء بكثافة. وتقع المدينة الأثرية في المنطقة البازلتية الكبرى والتي تكونت عبر مراحل تطور القشرة الأرضية في العصور الجيولوجية الغابرة وبخاصة العصران الثالث والرابع وأدى ذلك إلى تدفق كميات من الحجر الناري الأسود الذي خرج من الشقوق الأرضية وكذلك من حمم البراكين المخروطية العديدة المنتشرة في جبل حوران وما جاوره من مناطق وبخاصة جبل الأرتين وقعيص ومقاعص الى الشرق من أم الجمال. كل ما ذكر من حقائق حول الموقع الصحراوي والتركيب الصخري للمدينة انعكس بشكل جلي على تركيبها وتكوينها وذلك منذ التأسيس الأول لها ويظهر ذلك باستعمال الحجر البازلتي في العمارة وكذلك استعماله بالتسقيف عبر استخدام أسلوب الركائز والشبائح الحجرية علاوة على استعمال نفس الشبائح الطويلة بعد ربطها بالجدران نحو الخارج في بناء الأدراج والرفوف الطيارة. ومن الجدير بالذكر ان المنشآت المائية الخاصة بهذا الموقع والتي تم نحتها بالصخر البازلتي للاستفادة من حجارتها وكذلك لخزن المياه أثناء جريان الوديان في فصل الشتاء بعد جرها وتحويلها بالسدود عبر مسافات طويلة.
هذا وتبلغ مساحة أم الجمال قرابة 5000 دونم والمدينة مستطيلة الشكل ويبلغ طولها من الجنوب الى الشمال 800 متر وعرضها من الشرق نحو الغرب 550 مترا وتعتبر مدينة متكاملة من حيث العمارة بكل أبعادها في حين أنها تفتقر الى التنظيم في بعض الجوانب وبخاصة الشوارع الضيقة غير المنظمة. ويرجع تاريخ أم الجمال الى القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي عندما كانت المملكة النبطية في أوج عزها وبعد أن تم نقل العاصمة من البتراء الى بصرى الشام القريبة من ام الجمال والتي تقع المدينة الأثرية الى الجنوب الغربي منها وعلى بعد 24 كم وذلك بعد تدهور الطريق التجاري المار بجنوب الأردن وانتقال زمام التجارة لمدينة تدمر عبر طريق الصحراء السورية الى العراق والخليج العربي وهذا الأمر أدى الى زيادة المدينة النبطية واتساعها وقد استمدت الفترة النبطية من القرن الأول قبل الميلاد حتى العقد الأول من القرن الثاني الميلادي بعد سقوط مملكة الأنباط على يد الإمبراطور تراجانوس عام 106 م وتتالت بعد الفترة النبطية الفترات الرومانية المبكرة والفترة الرومانية المتأخرة والفترة البيزنطية المبكرة ثم الفترة المتأخرة وفي هذه الفترات تم توسعة مدينة أم الجمال وتوسيعها عبر الأسوار ورغم ذلك فقد تم تدمير المدينة على أيدي التنوخيين ومدينة تدمر عام270 - 273 ثم بدأت المدينة بعد عام 324 م تتسع ويزداد عدد سكانها وأخذت القبائل العربية تستقر وازداد عدد سكانها حتى بلغ ثمانية آلاف نسمة علاوة على انتشار الديانة المسيحية واعتبارها مقرا رئيسا بعد بصرى الشام وذلك بدليل وجود 15 كنيسة بينها كاتدرائية كبيرة وفي الفترة الأموية 363 - 750 م ونظرا لقرب ام الجمال من دمشق ووقوعها على طريق الحج الشامي وكذلك قربها من القصور الصحراوية الخاصة بالخلفاء الأمويين مما أدى الى ازدهارها ووضع اللمسات العربية الإسلامية عليها كما أن السكان الأصليين كانوا من العرب المسيحيين وعند قدوم العرب المسلمين تفاعلوا معهم ولم يكن هناك أي صدام عسكري على الأغلب وبقيت معظم الكنائس على حالها وهذا دليل على تسامح العرب والمسلمين، وفي الفترة العثمانية استخدمت القوات التركية المباني الرئيسة في ام الجمال وبخاصة مبنى البركس والبروتوريوم لأغراض عسكرية وتجارية وفي فترة الانتداب البريطاني استخدمت القوات البريطانية والفرنسية المدينة وتعرضت الكثير من المباني للتدمير من قبل الطيران الفرنسي أثناء ثورة جبل حوران وفي الفترة الحديثة 1946 وحتى بداية الثمانينات سكنت عشائر أهل الجبل أم الجمال وخصوصا عشائر المساعيد وقد استخدمت أغلب المباني بعد إصلاح أجزائها المتهدمة وأكثر ما استخدمت المباني لخزن الحبوب والتبن كم تم استخدام الإسطبلات القديمة للحيوانات الخاصة واستخدم المعبد النبطي في بداية الخمسينات كمدرسة لتعليم الأطفال في القرية؛ وقد حافظت ام الجمال الأثرية على رونقها لمدة طويلة حتى برز على السطح هوس الذهب والكنوز مما أدى الى تخريب ما لم تستطع تخريبه عبر مئات السنين والمؤسف سرقة الكثير من الحجارة المزخرفة والمنقوشة وبيعها أو استخدامها لغايات البناء.

جريدة الرأي 11 / 11 / 2006 م :
http://archive.alrai.com/pages.php?news_id=130124

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق