.
كان برّاك الوباري المسعودي الهذلي من الرجال الذين عُرفوا بالكرم ، وكان يمتلك إبلاً نادرة الوصف من سلالة ( العرابا ) إبل هذيل الحُمُر ، وكان ذلك في الزمان الغابر قبل توحيد المملكة ...
حينما كانت الجزيرة العربية في ذلك الزمان تعاني من السلب والنهب والغارات ، وقصة فارسنا برّاك أنّه كان له من الأبناء ولد وبنت ، وكانت أمّهما قد توفّيت ، فكانا يرعيان الأبل مع والدهما رغم صغر سنّهما كعادة أبناء جيلهم في ذلك الزمان .
حينما كانت الجزيرة العربية في ذلك الزمان تعاني من السلب والنهب والغارات ، وقصة فارسنا برّاك أنّه كان له من الأبناء ولد وبنت ، وكانت أمّهما قد توفّيت ، فكانا يرعيان الأبل مع والدهما رغم صغر سنّهما كعادة أبناء جيلهم في ذلك الزمان .
وكان من المتعارف عليه في ذلك الزمان أنَّ أبناء القبيلة في البادية يجتمعون حول بعضهم ، وذلك في الأيام الثلاثة الأولى من أيّام العيد وكانوا يسمّونها ( المرسام ) ، ويذبحون العوايد ويتعايدون ويلعبون من المغرب حتى صبيحة اليوم التالي ، وكانوا يتسابقون على الهجن ، ويرمون بالبنادق أهدافاً ثابتة لإظهار مهارة التحدّي بينهم ، وغيرها من ظواهر العيد الجميلة ..
وكان برّاك الوباري المسعودي نزل بذوده هو وأبنه وابنته بين وادي الكربة ووادي بدالة ، فأقاموا في تلك الديار الجميلة طيلة فترة الربيع ، إلى أن أتى شهر رمضان المبارك وبعد أن صاموا رمضان وعيّدوا هم ومن حولهم من ( فرقان البدو ) المجتمعون للمعايدة .
ولولع برّاك الوباري المسعودي بالملاعب والقصيد أناخ نياقه وترك أبنه وابنته عندها ، وذهب إلى المعياد يريد أن يعايد جماعته ويلعب معهم في ذلك اليوم .
وكان قومٌ من الروقة من قبيلة عتيبة يراقبون الوباري كيّ يبيّتوه ويستولوا على الإبل ــ دون أن يشعر بهم ــ وكان على رأس القوم التوم أمير الحفاة من الروقة ، وكانويعلمون أنَّ أبل الوباري كانت من نوادر الإبل الأصيلة من العرابا ومعها من الهجن الاصايل نوادر من إبل قبيلة هذيل .
وما أن غادر برّاك الوباري المكان حتى انتهز القوم الفرصة ، فهاجموا واستولوا عليها ، وقيّدوا ابن الوباري وأخذوه أسيراً معهم ، وقالوا للبنت : ( هوبلي ) للإبل واسري أمامها .
كانت الفتاة الوبارية المسعودية ذكيةً جداً ، فسرت أمام الأبل التي سارت خلفها إلى أن أدخلتها في مضائق يصعب السير فيها ، ثمّ هربت مع طريق أخرى وراحت لتنذر قومها وتخبرهم بالأمر ، وحينما وصلت إلى مكان مرتفع أوقدت ناراً في ( نبت دهنة يابسة ) وأومأت بها في الظلام على عادة أهل البادية في ذلك الزمان دلالة على الإنذار عندما يطرقهم البيات ، فقدم إليها بعض الرجال فصاحت بهم وقالت لهم : ( أبلكم وخذت يا رياجيل .. ربعي يا حرّابة الشضاء ) ، فاستفسروا منها عن وجهة القوم ، وماهي وسوم ركائبهم ، فأخبرتهم ، وأعلمتهم بحيلتها التي قامت بها بالسير بالإبل في منطقة المضائق .
تتابعت نجدات بني مسعود فوق الركائب ، ومنهم الرجّالة ، فقسموا أنفسهم إلى فريقين ، فريق منهم تبع القوم يطاردهم ، وفريق سار مسرعاً يتقدّم القوم لتطويقهم ، وكان الغزاة مشغولون بسوق الإبل ..
أمّا الغلام المقيّد فعندما عرف أنَّ أخته ذهبت لتنذر قومهما أطمئن ـ وأخذ ينفّذ خطّةً لاتقلُّ دهاءاً عن خطّة أخته ، فأخذ يسلك بالقوم الطرق البعيدة ، ويجرّ خطاه ويتظاهر بالتعب والأنهاك حتى يلحق ربعه بالقوم ، وما أن أصبح الصبح حتى كانوا قد دخلوا في وادي يُسمّى ( مهرمة ) بعد أن قضوا ثلثي الليل في شعيب ( ثعب الوعر ) .
أمّا بنو مسعود الذين كانوا يطاردون القوم فقد أدركوهم في ذلك الوادي ، فيما كان الفريق الذي تقدّم ليسبق الغزاة قد وصل الجحربيّة بعد أن قطعوا ( حرّة المساعيد ) و ( وادي سمي ) وكمنوا لهم هناك ، حيث أدركوا بحكم معرفتهم بالديار ومسالكها انّ الغزاة سيمرّون من ذلك المكان ، وهو ما تمَّ بالفعل ، فأحكم بنو مسعود الخناق على القوم من كلّ الجهات ، فوقع القتال ، فقُتل من قُتل ، وأصيب من أصيب ، وفرّ من فرّ ، وغنم بنو مسعود بعض الأسلحة ، وفكّوا أسر ابن الوباري ، ثمَّ سأل بنو مسعود الفتى الوباري عمّن قيّده ، فأشار إلى أحدهم ، فقيّدوه وشدّوا وثاقة بعد أن أطلقوا صراح الغلام .
وقد عاهدهم بقيّة الروقه بعدم الغزو لسلب الإبل ، وجدّدوا ( عملة البل ) وهي عملة ــ أي معاهدة ــ تتمّ بين القبائل المتجاورة للكفّ عن الغزو والبغي على بعضهم البعض ، وتُجدّد كلّ سنة ، وهو نظام بين أبناء البادية في ذلك الزمان ، ثمّ إنَّ بني مسعود فكّوا أسر اسراهم من الروقة .
وقد ساق الفتى الوباري الرجل الذي كان قد قيّده إلى أن أدخله الى مراح أبلهم ، ثمَّ فكّ قيده فلحق بقومه ، ورجع بنو مسعود عائدين بعد أن حقّقوا النصر على خصومهم ، في قصه خلدتها ذاكرة الأجداد عن ذلك الزمان ..ونظم الشاعر مرشد المسعودي الذي شارك قومه ذلك اليوم قصيدة سجّل فيها مجريات تلك الواقعة فقال :
وقد ساق الفتى الوباري الرجل الذي كان قد قيّده إلى أن أدخله الى مراح أبلهم ، ثمَّ فكّ قيده فلحق بقومه ، ورجع بنو مسعود عائدين بعد أن حقّقوا النصر على خصومهم ، في قصه خلدتها ذاكرة الأجداد عن ذلك الزمان ..ونظم الشاعر مرشد المسعودي الذي شارك قومه ذلك اليوم قصيدة سجّل فيها مجريات تلك الواقعة فقال :
أنا هيّض عليَّ الصايح اللّي جاء هويد الليل
عسى ربعي سلم من كاين العدوة وطاريها
وقلنا وش علومك يا المصيّح جعل ما بك ويل
وقال العلم ذودي روّحت مكتوف راعيها
فزعنا بالفرنج اللّي نوفي زادها بالكيل
وحريٍ ليا جت عازة الطلاَب يقضيها
واخذنا مهرمه وأم الشقب نسبق جياد الخيل
وصبّحنا سمي والجحربيّة في حراويها
والّا انّه في طرفها والبعير مخطمه ويشيل
يحوز ابكارها والخلف يا برّاك يرعيها
وقلنا جنّبوا جاكم من الحرّة سحاب وسيل
ترى ذود الوباري دونها ربعٍ تعدّيها
واخذنا في صواب عميّر اللّي عقبه فسهيل
من الحافي بحد النافعي ما عندنا فيها
واحد جينا نقوده واحد عنا شال روّح شيل
سواة الهارب اللّي ما تعاين في مواطيها
واخذنا زايدتهم يا العيون الموجلة بالميل
وأخذنا العملة اللّي مرمسه من كفّ راعيها
ولا يسعني إلّا تقديم خالص الشكر والتقدير لأخي العزيز الشاعر الكبير فارس الصحراء صالح بن دخيل الله المطرفي الهذلي الذي زوّدني بهذه القصّة الجميلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق